كتاب الدر المنثور في التفسير بالمأثور (اسم الجزء: 4)

حَتَّى نقدم بَدْرًا فنقيم فِيهَا ونطعم من حَضَرنَا من الْعَرَب فَإِنَّهُ لن يَرَانَا أحد فيقاتلنا
فكره ذَلِك الْأَخْنَس بن شريق فَأحب أَن يرجِعوا وَأَشَارَ عَلَيْهِم بالرجعة فَأَبَوا وعصوا وأخذتهم حمية الْجَاهِلِيَّة فَلَمَّا يئس الْأَخْنَس من رُجُوع قُرَيْش أكب على بني زهرَة فأطاعوه فَرَجَعُوا فَلم يشْهد أحد مِنْهُم بَدْرًا واغتبطوا بِرَأْي الْأَخْنَس وتبركوا بِهِ فَلم يزل فيهم مُطَاعًا حَتَّى مَاتَ وأرادت بَنو هَاشم الرُّجُوع فِيمَن رَجَعَ فَاشْتَدَّ عَلَيْهِم أَبُو جهل وَقَالَ: وَالله لَا تفارقنا هَذِه الْعِصَابَة حَتَّى نرْجِع
وَسَار رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى نزل أدنى شَيْء من بدر ثمَّ بعث عَليّ بن أبي طَالب وَالزُّبَيْر بن الْعَوام وبسبسا الْأنْصَارِيّ فِي عِصَابَة من أَصْحَابه فَقَالَ لَهُم: انْدَفَعُوا إِلَى هَذِه الظراب وَهِي فِي نَاحيَة بدر فَإِنِّي أَرْجُو أَن تَجدوا الْخَبَر عِنْد القليب الَّذِي يعلى الظراب فَانْطَلقُوا متوشحي السيوف فوجدوا وَارِد قُرَيْش عِنْد القليب الَّذِي ذكر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخذُوا غلامين أَحدهمَا لبني الْحجَّاج بن الْأسود وَالْآخر لأبي العَاصِي يُقَال لَهُ أسلم وأفلت أصحابهما قبل قُرَيْش فَأَقْبَلُوا بهما حَتَّى أَتَوا بهما رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ فِي معرشة دون المَاء فَجعلُوا يسْأَلُون الْعَبْدَيْنِ عَن أبي سُفْيَان وَأَصْحَابه لَا يرَوْنَ إِلَّا أَنهم لَهُم فطفقا يحدثانهم عَن قُرَيْش وَمن خرج مِنْهُم وَعَن رؤوسهم فيكذبونهما وهم أكره شَيْء للَّذي يخبرانه وَكَانُوا يطمعون بِأبي سُفْيَان وَأَصْحَابه ويكرهون قُريْشًا وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَائِما يُصَلِّي يسمع وَيرى الَّذِي يصنعون بالعبدين فَجعل العبدان إِذا أذلقوهما بِالضَّرْبِ يَقُولَانِ نعم هَذَا أَبُو سُفْيَان (والركب) كَمَا قَالَ الله تَعَالَى (أَسْفَل مِنْكُم) قَالَ الله (إِذْ أَنْتُم بالعدوة الدُّنْيَا وهم بالعدوة القصوى والركب أَسْفَل مِنْكُم وَلَو تواعدتم لاختلفتم فِي الميعاد وَلَكِن ليقضي الله أمرا كَانَ مَفْعُولا) (الْأَنْفَال الْآيَة 42) قَالَ فطفقوا إِذا قَالَ العَبْد إِن هَذِه قُرَيْش قد جاءتكم كذبوهما وَإِذا قَالَا هَذَا أَبُو سُفْيَان تركوهما
فَلَمَّا رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صنيعهم بهما سلم من صلَاته وَقَالَ: مَاذَا أخبراكم قَالُوا: أخبرانا أَن قُريْشًا قد جَاءَت
قَالَ: فَإِنَّهُمَا قد صدقا وَالله إِنَّكُم لتضربونهما إِذا صدقا وتتركونهما إِذا كذبا خرجت قُرَيْش لتحرز ركبهَا وخافوكم عَلَيْهِم ثمَّ دَعَا رَسُول الله الْعَبْدَيْنِ فَسَأَلَهُمَا فَأَخْبَرَاهُ بِقُرَيْش وَقَالا: لَا علم لنا بِأبي سُفْيَان

الصفحة 21