كتاب الدر المنثور في التفسير بالمأثور (اسم الجزء: 4)

فَسَأَلَهُمَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كم الْقَوْم قَالَا: لَا نَدْرِي وَالله هم كثير
فزعموا إِن رَسُول الله قَالَ: من أطْعمهُم أمس فسميا رجلا من الْقَوْم
قَالَ: كم نحر لَهُم قَالَا: عشر جزائر
قَالَ: فَمن أطْعمهُم أول أمس فسميا رجلا آخر من الْقَوْم
قَالَ: كم نحر لَهُم قَالَا: تسعا
فزعموا أَن رَسُول الله قَالَ: الْقَوْم مَا بَين التسْعمائَة وَالْألف يعْتَبر ذَلِك بتسع جزائر ينحرونها يَوْمًا وَعشر ينحرونها يَوْمًا
فَقَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أَشِيرُوا عَليّ فِي الْمسير فَقَامَ الْحباب بن الْمُنْذر أحد بني سَلمَة فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنَّا عَالم بهَا وبقلبها إِن رَأَيْت أَن تسير إِلَى قليب مِنْهَا قد عرفتها كَثِيرَة المَاء عذبة فتنزل إِلَيْهَا ونسبق الْقَوْم إِلَيْهَا ونغور مَا سواهَا
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: سِيرُوا فَإِن الله قد وَعدكُم إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لكم فَوَقع فِي قُلُوب نَاس كثير الْخَوْف وَكَانَ فيهم من تخاذل من تخويف الشَّيْطَان فَسَار رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والمسلمون مسابقين إِلَى المَاء وَسَار الْمُشْركُونَ سرَاعًا يُرِيدُونَ المَاء فَأنْزل الله عَلَيْهِم فِي تِلْكَ اللَّيْلَة مَطَرا وَاحِدًا فَكَانَ على الْمُشْركين بلَاء شَدِيدا مَنعهم أَن يَسِيرُوا وَكَانَ على الْمُسلمين دِيمَة خَفِيفَة لبد لَهُم الْمسير والمنزل وَكَانَت بطحاء فَسبق الْمُسلمُونَ إِلَى المَاء فنزلوا عَلَيْهِ شطر اللَّيْل فاقتحم الْقَوْم فِي القليب فَمَا حوها حَتَّى كثر مَاؤُهَا وصنعوا حوضا عَظِيما ثمَّ غوروا مَا سواهُ من الْمِيَاه قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَذِه مصَارِعهمْ إِن شَاءَ الله بِالْغَدَاةِ
وَأنزل الله (إِذْ يغشيكم النعاس أَمَنَة مِنْهُ وَينزل عَلَيْكُم من السَّمَاء مَاء ليطهركم بِهِ وَيذْهب عَنْكُم رجز الشَّيْطَان وليربط على قُلُوبكُمْ وَيثبت بِهِ الْأَقْدَام) (الْأَنْفَال الْآيَة 11)
ثمَّ صف رَسُول الله على الْحِيَاض فَلَمَّا طلع الْمُشْركُونَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اللَّهُمَّ هَذِه قُرَيْش قد جَاءَت بِخُيَلَائِهَا وَفَخْرهَا تُحَادك وَتكذب رَسُولك اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك مَا وَعَدتنِي - وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُمْسك بعضد أبي بكر يَقُول: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك مَا وَعَدتنِي - فَقَالَ أَبُو بكر: أبشر فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ لنيجزن الله لَك مَا وَعدك
فاستنصر الْمُسلمُونَ الله واستعانوه فَاسْتَجَاب الله لنَبيه وللمسلمين وَأَقْبل المشكون وَمَعَهُمْ إِبْلِيس فِي صُورَة سراقَة بن جعْشم المدلجي يُحَدِّثهُمْ أَن بني كنَانَة وَرَاءَهُمْ قد أَقبلُوا لنصرهم وَأَنه لَا غَالب لكم الْيَوْم من النَّاس وَإِنِّي جَار لكم لما

الصفحة 22