كتاب الدر المنثور في التفسير بالمأثور (اسم الجزء: 4)

أخْبرهُم من مسير بني كنَانَة وَأنزل الله (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِين خَرجُوا من دِيَارهمْ بطرا ورئاء النَّاس) (الْأَنْفَال الْآيَة 47) هَذِه الْآيَة وَالَّتِي بعْدهَا
وَقَالَ رجال من الْمُشْركين لما رَأَوْا قلَّة من مَعَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: غر هَؤُلَاءِ دينهم
فَأنْزل الله (وَمن يتوكل على الله فَإِن الله عَزِيز حَكِيم) (الطَّلَاق الْآيَة 3)
وَأَقْبل الْمُشْركُونَ حَتَّى نزلُوا وتعبوا لِلْقِتَالِ والشيطان مَعَهم لَا يفارقهم فسعى حَكِيم بن حزَام إِلَى عتبَة بن ربيعَة فَقَالَ لَهُ: هَل لَك أَن تكون سيد قُرَيْش مَا عِشْت قَالَ عتبَة فأفعل مَاذَا قَالَ: تجير بَين النَّاس وَتحمل دم ابْن الْحَضْرَمِيّ وَبِمَا أصَاب مُحَمَّد من تِلْكَ العير فَإِنَّهُم لَا يطْلبُونَ من مُحَمَّد غير هَذِه العير وَدم هَذَا الرجل
قَالَ عتبَة: نعم قد فعلت وَنِعما قلت وَنِعما دَعَوْت إِلَيْهِ فاسع فِي عشيرتك فَأَنا أتحمل بهَا
فسعى حَكِيم فِي أَشْرَاف قُرَيْش بذلك يَدعُوهُم فِيهِ وَركب عتبَة جملا لَهُ فَسَار عَلَيْهِ فِي صُفُوف الْمُشْركين فِي أَصْحَابه فَقَالَ: يَا قوم أَطِيعُونِي فَإِنَّكُم لَا تطلبون عِنْدهم غير دم ابْن الْحَضْرَمِيّ وَمَا أَصَابُوا من عِيركُمْ تِلْكَ وَأَنا أتحمل بوفاء ذَلِك ودعوا هَذَا الرجل فَإِن كَانَ كَاذِبًا ولي قَتله غَيْركُمْ من الْعَرَب فَإِن فيهم رجَالًا لكم فيهم قرَابَة قريبَة وَإِنَّكُمْ إِن تَقْتُلُوهُمْ لَا يزَال الرجل مِنْكُم ينظر إِلَى قَاتل أَبِيه وأخيه أَو ابْن أَخِيه أَو ابْن عَمه فيورث ذَلِك فيهم احنا وضغائن وَإِن كَانَ هَذَا الرجل ملكا كُنْتُم فِي ملك أخيكم وَإِن كَانَ نَبيا لم تقتلون النَّبِي فتيسئوا بِهِ وَلنْ تخلصوا إِلَيْهِم حَتَّى يُصِيبُوا أعدادهم وَلَا آمن أَن يكون لكم الدبرة عَلَيْهِم فحسده أَبُو جهل على مقَالَته وأبى الله إِلَّا أَن ينفذ أمره وَعمد أَبُو جهل إِلَى ابْن الْحَضْرَمِيّ - وَهُوَ أَخُو الْمَقْتُول - فَقَالَ: هَذَا عتبَة يخذل بَين النَّاس وَقد تحمل بدية أَخِيك يزْعم أَنَّك قابلها أَفلا تسحيون من ذَلِك أَن تقبلُوا الدِّيَة فزعموا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَهُوَ ينظر إِلَى عتبَة: إِن يكن عِنْد أحد من الْقَوْم خير فَهُوَ عِنْد صَاحب الْجمل الْأَحْمَر وَإِن يطيعوه يرشدوا
فَلَمَّا حرض أَبُو جهل قُريْشًا على الْقِتَال أَمر النِّسَاء يعولن عمر
فقمن يصحن: واعمراه واعمراه

تحريضا على الْقِتَال فاجتمعت قُرَيْش على الْقِتَال فَقَالَ عتبَة لأبي جهل: سَيعْلَمُ الْيَوْم أَي الْأَمريْنِ أرشد
وَأخذت قُرَيْش مصَاف هَذَا الْقِتَال

الصفحة 23