كتاب توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (اسم الجزء: 4)

القول الثاني: مذهب الأحناف وأهل الكوفة إلى أنه يصح نكاح المرأة بدون ولي (¬١)، واستدلوا بأن الأيم أحق بنفسها من وليها، أي: أن لها أن تزوج نفسها بدون ولي، وقالوا: هذا دليل على عدم وجوب الولي، وأنه يجوز لها أن تزوج نفسها، أو أن توكِّل أحدًا يزوجها، وهذا قول ضعيف، بل باطل؛ فقد جاء في الأحاديث الصحيحة أنه لا بد من الولي، وفي الحديث الآخر: ((لَا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ، وَلَا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا، فَإِنَّ الزَّانِيَةَ هِيَ الَّتِي تُزَوِّجُ نَفْسَهَا)) (¬٢)، وفي الحديث الآخر: ((أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا المَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا، فَإِنْ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ)) (¬٣)، وهذا دليل على فساد قول الأحناف؛ لأن المرأة ضعيفة قد تنخدع، ثم إن في هذا امتهانًا لها، والله تعالى كرَّمها وصانها، وجعل لها وليًّا ينظر لمصالحها، فالرجل أكمل نظرًا وعقلًا وتأملًا من المرأة.
تنبيه: وقد أخذ بعض الناس بمذهب الأحناف، حتى صار ذلك من أسباب الفساد، وفي بعض البلدان تزوج المرأة نفسها ولا يعلم بها أبواها، وتنتقل إلى بلد آخر، ثم تكتب لوالديها: أني تزوجت في البلد الفلاني، ولا شك أن هذا مخالف للنصوص، وهو سبب لشر عظيم، كما أن المرأة قد يخدعها الرجل ويجلس معها مدة، ثم يتركها مدة حياته، ويلصق بها العار، وقد يتزوجها زواجَ متعةٍ مؤقتًا، ثم ينصرف عنها وتنصرف عنه، وكل هذا من أسباب عدم الالتزام بالولي، والتفلت من هذا من أسباب شيوع الفواحش، وهو شبيه بالزنى، فلا يجوز لامرأة أن تتزوج بدون ولي.
---------------
(¬١) العناية، للبابرتي (٣/ ٢٥٦)، المبسوط، للسرخسي (٥/ ١٠)، بدائع الصنائع، للكاساني (٢/ ٢٤٨).
(¬٢) أخرجه ابن ماجه (١٨٨٢).
(¬٣) أخرجه أحمد (٢٤٢٠٥)، وأبو داود (٢٠٨٣)، والترمذي (١١٠٢)، وابن ماجه (١٨٧٩).

الصفحة 41