كتاب توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (اسم الجزء: 4)

مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ))، فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِنَهْبِ إِبِلٍ فَسَأَلَ عَنَّا، فَقَالَ: ((أَيْنَ النَّفَرُ الأَشْعَرِيُّونَ؟ ))، فَأَمَرَ لَنَا بِخَمْسِ ذَوْدٍ غُرِّ الذُّرَى، فَلَمَّا انْطَلَقْنَا قُلْنَا: مَا صَنَعْنَا؟ حَلَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لا يَحْمِلُنَا وَمَا عِنْدَهُ مَا يَحْمِلُنَا، ثُمَّ حَمَلَنَا، تَغَفَّلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمِينَهُ، وَاللَّهِ لا نُفْلِحُ أَبَدًا، فَرَجَعْنَا إِلَيْهِ فَقُلْنَا لَهُ: إِنَّا أَتَيْنَاكَ لِتَحْمِلَنَا، فَحَلَفْتَ أَنْ لا تَحْمِلَنَا، وَمَا عِنْدَكَ مَا تَحْمِلُنَا، فَقَالَ: ((إِنِّي لَسْتُ أَنَا حَمَلْتُكُمْ، وَلَكِنَّ اللَّهَ حَمَلَكُمْ)) (¬١) أي: أن الله تعالى هو الذي يسر لكم ذلك، وأما يميني أنا فإني أكفر عنها.
في هذا الحديث: دليل على أن الإنسان إذا حلف على شيء، ثم رأى أن الخير في ترك ما حلف عليه فلا يتمادى في يمينه معاندًا، بل يكفر عن يمينه، ويفعل الخير؛ ولهذا جاء في الحديث الآخر: ((وَاللَّهِ لَأَنْ يَلَجَّ أَحَدُكُمْ بِيَمِينِهِ فِي أَهْلِهِ آثَمُ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ أَنْ يُعْطِيَ كَفَّارَتَهُ الَّتِي افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِ)) (¬٢).
وكفارته أن يطعمَ عشرة مساكين، أو يكسوَهم، أو يعتقَ رقبة، فإن كان فقيرًا صام ثلاثة أيام، وسواء قُدِّمَتِ الكفارة، أو أُخِّرتْ فكل ذلك جائز، فقد جاء في بعض الأحاديث- كما تقدم- تقديمُ الكفارة على الحنث، وفي بعضها الآخر تقديمُ الحنث على الكفارة، كما سيأتي.
---------------
(¬١) أخرجه البخاري (٦٦٤٩).
(¬٢) أخرجه البخاري (٦٦٢٥)، ومسلم (١٦٥٥).

الصفحة 516