كتاب توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (اسم الجزء: 4)

قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي مُوسَى، وَاقْتَصُّوا جَمِيعًا الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَحَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا الصَّعْقُ- يَعْنِي: ابْنَ حَزْنٍ- حَدَّثَنَا مَطَرٌ الْوَرَّاقُ، حَدَّثَنَا زَهْدَمٌ الْجَرْمِيُّ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي مُوسَى وَهُوَ يَأْكُلُ لَحْمَ دَجَاجٍ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِ حَدِيثِهِمْ وَزَادَ فِيهِ قَالَ: ((إِنِّي- وَاللَّهِ- مَا نَسِيتُهَا)).
النهب، يعني: الغنيمة، وفي الحديث الأول: أنه ابتاعهن من سعد رضي الله عنه، وللجمع بينهما يقال: لعله ابتاع بعضها من سعد، وبعضها الآخر كان من الغنيمة.
وفي هذا الحديث: دليل على جواز أكل الدجاج؛ لأكل النبي صلى الله عليه وسلم منه؛ ولذلك لما رأى أبو موسى رضي الله عنه رجلًا لا يأكل معهم دعاه إلى الطعام، فامتنع الرجل، وقال: إني رأيت الدجاج يأكل شيئًا فقذرته، فحلفت أن لا أطعمه، فقال له أبو موسى رضي الله عنه: كُلْ، فلعله شيء يسير يُعفَى.
وهذا إذا كان الدجاج ونحوه يأكل شيئًا يسيرًا من القذر، وأما إذا كان يأكل كثيرًا منه فإنه يحبس حتى يطيب لحمه؛ فقد جاء عن ابن عمر رضي الله عنه في الجَلَّالة التي تأكل القذرة من الدجاج، أو من البقر، أو من الغنم أنها تُحبس ثلاثة أيام، ويطعمها ويسقيها الطيب حتى يطيب مطعمها، ويزول ما فيها من الخبث (¬١).
وفيه: أن أولياء الله لا يمتنعون من الطيبات؛ لأن الدجاج من الطيبات، والصحابة رضي الله عنهم هم أفضل أولياء الله بعد الأنبياء، ومع ذلك أكلوا من الطيبات، ولم يمتنعوا منها.
وفي هذا الحديث: دليل على جواز تقديم الكفارة على الحنث، أو تأخيرها عنه؛ لأنه
---------------
(¬١) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (٢٤٦٠٨).

الصفحة 520