كتاب توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (اسم الجزء: 4)

قوله: ((أَوْجَعْتُكَ)): فيه: أدب لهذا الغلام؛ لأن الغلام قال: لا، فأعتقه عبد الله بن عمر رضي الله عنه مقابل هذه الضربة، يريد أن تكون كفارة له؛ لقوله: ((مَنْ ضَرَبَ غُلَامًا لَهُ حَدًّا لَمْ يَأْتِهِ، أَوْ لَطَمَهُ فَإِنَّ كَفَّارَتَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ)).
ومعنى الحديث: أنه ليس في هذا الإعتاق من الأجر مثلُ أجر من أعتق تبرُّرًا، فهذا الإعتاق كفارةٌ للَّطمة، بخلاف الذي يعتق ابتغاءَ الأجر.

[١٦٥٨] حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ- وَاللَّفْظُ لَهُ- حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ: لَطَمْتُ مَوْلًى لَنَا، فَهَرَبْتُ، ثُمَّ جِئْتُ قُبَيْلَ الظُّهْرِ، فَصَلَّيْتُ خَلْفَ أَبِي فَدَعَاهُ وَدَعَانِي، ثُمَّ قَالَ: امْتَثِلْ مِنْهُ، فَعَفَا، ثُمَّ قَالَ: كُنَّا بَنِي مُقَرِّنٍ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْسَ لَنَا إِلَّا خَادِمٌ وَاحِدَةٌ، فَلَطَمَهَا أَحَدُنَا، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: ((أَعْتِقُوهَا)) قَالُوا: لَيْسَ لَهُمْ خَادِمٌ غَيْرُهَا، قَالَ: ((فَلْيَسْتَخْدِمُوهَا، فَإِذَا اسْتَغْنَوْا عَنْهَا، فَلْيُخَلُّوا سَبِيلَهَا)).
في هذا الحديث: حجة للجمهور على أن العتق بسبب ضرب الخادم ليس بواجب، وأنه مستحب؛ لأنه لو كان واجبًا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((فَلْيَسْتَخْدِمُوهَا))، كما بينه النووي رحمه الله. (¬١)
والأقرب: أنه إذا كان الضرب خفيفًا يكون العتق مستحبًّا، وإذا كان شديدًا يكون واجبًا، كما سيأتي في الأمر المؤكَّد فيمن ضرب غلامه ضربًا شديدًا مبالغًا، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أَمَا لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحَتْكَ النَّارُ- أَوْ لَمَسَّتْكَ النَّارُ)).
---------------
(¬١) شرح مسلم، للنووي (١١/ ١٢٧).

الصفحة 537