كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 4)

وقال الأثرمُ: قلتُ لأحمدَ بنِ حنبلٍ: فإنْ كبَّر الإمامُ خمسًا، أكبِّر معه؟ قال: نعم، قال ابنُ مسعودٍ: كبِّر ما كبَّر إمامُك. قيلَ لأبي عبدِ الله: أفلا ننصرفُ إذا كبَّر الخامسةَ؟ فقال: سُبحانَ الله! النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- كبَّر خمسًا؛ رواه زيدُ بنُ أرقم. ثم قال: ما أعجبَ الكوفيِّين! سفيانُ رحِمَنا اللهُ وإيَّاه يقول (¬١): ينصرِفُ إذا كبَّر الخامسةَ. وابنُ مسعودٍ يقول: ما كبَّر إمامُكم فكبِّروا. وقال أبو عبدِ الله: الذي نختارُه يُكبِّر أربعًا، فإنْ كبَّر الإمامُ خمسًا كبَّرنا معه؛ لِما رواه زيدُ بنُ أرقم، ولقولِ ابنِ مسعود، قيلَ له: فإنْ كبَّر ستًّا، أو سبعًا، أو ثمانيًا؟ قال: أمَّا هذا فلا، وأمَّا خمسٌ فقد رُويَ عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-.
وأجمَعَ هؤلاء الفقهاءُ على أنَّ مَن فاتَه بعضُ التَّكبير، فإنَّه يُكبِّر مع الإمام ما أدركَ منه، ويقضِي ما فاتَه، وهو قولُ ابنِ شهاب (¬٢).
واختلفوا إذا وجَدَ الإمامَ قد سبقَه ببعضِ التَّكبير؛ فروَى أشهبُ، عن مالك: أنّه يُكبِّرُ أوَّلًا ولا ينتظِرُ الإمامَ (¬٣). وهو قولُ الشَّافعيِّ، واللَّيث، والأوزاعي، وأبي يُوسف (¬٤).
وقال أبو حنيفةَ ومحمدٌ (¬٥): ينتظِرُ الإمامَ حتى يُكبِّر، فإذا كبَّر كبَّر معه، وإذا سلَّمَ قضَى ما عليه. ورواه ابنُ القاسم عن مالك (¬٦). وحجَّةُ مَن قال هذا قولُه -صلى الله عليه وسلم-:
---------------
(¬١) قوله: "يقول" لم يرد في د ١.
(¬٢) أخرجه عن مالك في الموطّأ ١/ ٣١٢ (٦٠٨).
(¬٣) نقل هذه الرواية عن مالك ابن رشد في بداية المجتهد ١/ ٢٥٢، وقال: وهو أحد قولي الشافعيّ.
(¬٤) ينظر: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ١/ ٣٩٨.
(¬٥) وهو ابن الحسن الشيباني، وهذا في كتابه الأصل المعروف بالمبسوط ١/ ٤٢٧، وينظر: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ١/ ٣٩٨، وبدائع الصنائع للكاساني ١/ ٣١٣ حيث ذكر اختلاف الروايات في ذلك عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى.
(¬٦) في المدوّنة ١/ ٢٥٦ - ٢٥٧.

الصفحة 306