كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 4)

وعن أبي هريرة، عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: "صغَارُكم دعَاميصُ الجنَّة" (¬١).
وقد رَوَى شعبةُ، عن معاويةَ بنِ قرَّةَ بنِ إياسٍ المُزنيِّ، عن أبيه، عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، أنَّ رجلًا مِن الأنصارِ مات له ابنٌ صغيرٌ، فوجَدَ عليه، فقال له رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "أما يَسرُّكَ ألّا تأتي بابًا مِن أبوابِ الجنةِ إلّا وجدتَه يستفتِحُ لك؟ "، فقالوا: يا رسولَ الله، ألهُ خاصةً أم للمسلمينَ عامةً؟ قال: "بل للمسلمينَ عامةً" (¬٢).
---------------
= وقوله: "مُحْبَنطئًا" من احْبَنْطَأ؛ أي: انتفخ جوفُه، وامتلأ غيظًا.
وقال ابن الأثير: "المُحْبَنطئ -بالهمز وتَرْكِه- المُتغضِّب المُستَبطئ للشيء. وقيل: هو امتناع طَلِبَةٍ لا امتناعُ إباءٍ". وينظر: الصحاح للجوهري مادة (حبطأ).
ووقع معنى هذا الحديث عند أحمد في المسند ٢٨/ ١٧٥ (١٦٩٧١) بإسناد أحسن منه عن أبي المغيرة عبد القدوس بن الحجّاج الخولانيّ الحمصي، عن حريز بن عثمان الرَّحبي الحمصيّ، عن شرحبيل بن شُفْعة، عن بعض أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فذكره بمعناه. ورجال إسناده ثقات معروفون غير شُرحبيل بن شُفْعة فقد ذكره ابن حبّان في الثقات، وقال أبو داود فيما نقله عنه أبو عُبيد الآجريّ: شيوخ حريز كلُّهم ثقات. (ينظر تهذيب الكمال ١٢/ ٤٢٣ - ٤٢٤)، وقال عنه ابن حجر في التقريب (٢٧٦٨): صدوق.
(¬١) أخرجه أحمد في المسند ١٦/ ٢٢٠ - ٢٢١ (١٠٣٣١)، ومسلم (٢٦٣٥) من حديث أبي حسّان خالد بن غلاق، عنه.
وقوله: "دعاميص الجنة" الدعاميص: جمع دُعْموص: وهي دُويبة تكون في الماء، شُبِّه الطفل بها في الجنّة لصِغَره وسُرعة حركته وكثرة دُخوله وخروجه. وقيل: هي سمكة صغيرة كثيرة الاضطراب، فاستُعيرت هنا للطفل، يعني: هم سيّاحون في الجنّة دخّالون في منازلها لا يُمنَعون كما يُمنع صبيان الدُّنيا الدُّخول إلى الحُرَم. (ينظر: مشارق الأنوار للقاضي عياض ١/ ٢٥٩، والنهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير ٢/ ١٢٠).
(¬٢) أخرجه الطيالسي في مسنده ٢/ ٤٠١ (١١٧١) عن شعبة، عن معاوية بن قُرّة، عن أبيه قُرّة بن إياس المُزنيّ. وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنَّف (١٢٠٠٨)، وأحمد في المسند ٢٤/ ٣٦١ (١٥٥٩٥)، والنسائي في المجتبى (١٨٧٠)، وفي الكبرى ٢/ ٣٩٩ (٢٠٠٩)، وابن حبّان في صحيحه ٧/ ٢٠٩ (٢٩٤٧)، والطبراني في الكبير ١٩/ ٢٦ (٥٤)، والحاكم في المستدرك ١/ ٣٨٤ من طرق عن شعبة، به. وإسناده صحيح. وسيأتي في سياق هذا الشرح.

الصفحة 312