كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 4)

وهذا حديثٌ ثابتٌ صحيحٌ بمعنَى ما ذكرناه. وقد ذكرنا آثارَ هذا البابِ، وما قالته الفِرَقُ في ذلك واعتقدَته، في باب أبي الزِّنَاد (¬١)، والحمدُ لله.
وفي هذه الآثارِ مع إجماع الجمهورِ دليلٌ على أنّ قولَه -صلى الله عليه وسلم-: "الشَّقيُّ مَن شَقِيَ في بَطن أُمّه، وإنَّ المَلكَ ينزلُ فيكتُبُ أجلَه ورزقَه، ويكتُبُه شقيًّا أو سعيدًا في بطنِ أُمِّه" (¬٢) مخصوصٌ مجملٌ، وأنَّ مَن ماتَ مِن أطفالِ المسلمينَ قبلَ الاكتسابِ، فهو ممَّن سعِد في بطنِ أُمِّه لم يشْقَ؛ بدليلِ ما ذكرنا مِن الأحاديثِ والإجماع.
وفي ذلك أيضًا دليلٌ واضحٌ على سُقُوطِ حديثِ طلحةَ بنِ يحيَى، عن عمَّتِه عائشةَ بنتِ طلحة، عن عائشةَ أُمِّ المؤمنينَ، قالت: أُتيَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- بصبيٍّ مِن صِبيانِ الأنصارِ ليُصلِّيَ عليه، فقلتُ: طُوبَى له، عُصفورٌ مِن عصافيرِ الجنةِ، لم يعمَلْ سُوءًا قطُّ، ولم يُدرِكْه ذنْبٌ. فقال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "أو غيرَ ذلك يا عائشةُ؟ إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ خلَقَ الجنةَ وخلَقَ لها أهلًا وهُم في أصلابِ آبائِهم، وخلقَ النَّارَ وخلَق لها خلقًا وهُم في أصلابِ آبائِهم، اللهُ أعلمُ بما كانوا عاملينَ" (¬٣). وهذا
---------------
(¬١) سيأتي في الحديث العاشر لأبي الزناد عن الأعرج.
(¬٢) أخرجه البخاري (٣١٨)، ومسلم (٢٦٤٦) من حديث عبيد الله بن أبي بكر، عن أنس رضي الله عنه، وسيأتي لإسناد المصنّف من هذا الطريق في سياق شرحه للحديث العاشر من أحاديث أبي الزناد عن الأعرج في موضعه إن شاء الله تعالى.
(¬٣) أخرجه عبد الرزاق في المصنَّف ١١/ ١٢٤ (٢٠٠٩٥)، والحُميديّ في مسنده (٢٦٥)، وأحمد في المسند ٤٠/ ١٦٠ (٢٤١٣٢) عن سفيان الثوريّ عن طلحة بن يحيى، به.
وأخرجه النسائي في المجتبى (١٩٤٧)، وفي الكبرى ٢/ ٤٣١ (٢٠٨٥)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار ١/ ٥٠٧ (٢٨٩٧) من طريقين عن سفيان الثوريّ، به.
وهو عند مسلم (٢٦٦٢)، وأبي داود (٤٧١٣)، وابن حبان في صحيحه ١٤/ ٤٧ (٦١٧٣) من طرق عن طلحة بن يحيى، به.

الصفحة 313