كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 4)

ورَوى مجُاهدٌ، أنَّ نافعَ بنَ الأزرَقِ سألَ ابنَ عباس عن قولِ الله عزَّ وجلَّ: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} فقال ابنُ عباسٍ: {وَارِدُهَا}: داخِلُها. فقال نافعٌ: يَرِدُ القومُ ولا يدخُلُون. فاستَوى ابنُ عباسٍ جالسًا وكان مُتكِئًا، فقال له: أمَّا أنا وأنتَ فسَنَرِدُها، فانظُرْ هل ننجُو منها أم لا؟ أما تقرأُ قولَ الله: {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (٩٧) يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ} [هود: ٩٧ - ٩٨]؟ أفتُراه، ويلَك، إنّما أوقفَهم على شَفِيرها، واللهُ تعالى يقولُ: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} (¬١)؟ [غافر: ٤٦].
وقد روَى الأعمشُ، عن أبي سُفيانَ، عن جابرٍ، وابنُ جريج، عن أبي الزبير، عن جابرٍ، عن أمِّ مُبَشِّرٍ، أنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يدخُلُ النارَ أحدٌ شَهِدَ بدرًا وبايعَ تحت الشجرةِ"، فقالت له حفصةُ: ألم تسمع اللهَ يقولُ: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}؟ فقال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "أما تَسمَعينَ اللهَ يقولُ: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا}؟ " (¬٢).
---------------
= الأول ١٥/ ٤٦٧ من طريق عُبيد بن سليمان -وهو الباهليّ الكوفيّ- عن الضَّحاك بن مزاحم، وفيه قوله: "الورود في القرآن أربعة أوراد" مع ذكر الآيات الواردة، وقوله في آخره: كلُّ هذا الدُّخول، والله ليَرِدَنَّ جهنَّم كلُّ برٍّ وفاجر.
والثاني: وفيه دعاؤه في آخره: "اللهمَّ أخرجني من النار سالمًا، وأدخلني ... " فأخرجه ١٨/ ٢٣٠ من طريق عبد الملك بن جريج وهي التي ذكرها المصنِّف، وليس فيها ذكر الأوراد الأربعة، كما ليس في الطريق الأول ذكر الدُّعاء الموجود هنا.
(¬١) أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره ١٨/ ٢٣٣ من طريق مجاهد بن جبر، به مختصرًا، وقد سلف من وجهٍ آخر في التعليق قبل السابق.
(¬٢) أخرجه أحمد في المسند ٤٤/ ٥٩٠ (٢٧٠٤٢)، وابن أبي عاصم في السُّنة ٢/ ٤١٤ (٨٦١)، وفي الآحاد والمثاني ٦/ ١٠١ (٣٣١٦)، وابن حبّان في صحيحه ١١/ ١٢٥ (٤٨٠٠)، والطبراني في الكبير ٢٥/ ١٠٢ (٢٦٦) من طرق عن الأعمش. =

الصفحة 318