كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 4)

المتأخرونَ مِن أصحابِه في ذلك أيضًا على ذَينِكَ القولين؛ فطائفةٌ قالت: السُّرةُ مِن العورةِ، وطائفةٌ قالت: ليست السُّرةُ عورةً (¬١). وقال عطاءٌ: الركبةُ عورةٌ (¬٢).
وقال مالكٌ: السُّرةُ ليست بعورةٍ، وأكرَهُ للرجلِ أن يكشِفَ فخِذَه بحضرةِ زوجتِه (¬٣). وقال ابنُ أبي ذئبٍ: العورةُ مِن الرجلِ: الفرجُ نفسُه؛ القبلُ والدبرُ دونَ غير هما (¬٤). وهو قولُ داودَ وأهلِ الظاهرِ، وقولُ ابنِ عليةَ، والطبريِّ (¬٥).
فمن حجَّةِ مَن قال: إنَّ الفخِذَ ليست بعورةٍ: حديثُ عائشةَ، أن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- كان جالسًا في بيتهِ كاشفًا عن فخذِه، فاستأذنَ أبو بكرٍ، ثم عمرُ فأذِنَ لهما وهو على تلك الحالِ، ثم استأذنَ عثمانُ، فسوَّى عليه ثيابَه ثم أذِنَ له، فسُئِلَ عن ذلك فقال: "ألا أستحيِي مِمَّنْ تستحيِي منه الملائكةُ؟ " (¬٦). وهذا حديثٌ في ألفاظِه اضْطرابٌ. واحتجَّ البخاريُّ في ذلك بحديثِ أنسِ بنِ مالكٍ (¬٧)، قال: حسَر النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- على فخذه حتى إنِّي لأرى بياضَ فخذِ نبيِّ الله -صلى الله عليه وسلم-.
---------------
(¬١) ولكن قال النَّوويُّ: المشهور من مذهبنا أنّ عورة الرَّجل ما بين سُرَّته ورُكبته. (المجموع شرح المهذب ٣/ ١٦٩). وقال في روضة الطالبين ١/ ٢٨٣: "لنا وجهٌ ضعيف مشهورٌ: أنّ السُّرَّة عورةٌ دون الرُّكبة".
(¬٢) ذكره عنه ابن المنذر في الأوسط ٥/ ٤٨ قال: روينا عن عطاء أنه قال، فذكره.
(¬٣) ينظر: بداية المجتهد لابن رشد ١/ ١٢٢، ومختصر اختلاف العلماء للطحاوي ١/ ٣٠٦.
(¬٤) نقله عنه الطحاوي في مختصر اختلاف العلماء ١/ ٣٠٦.
(¬٥) وذكر مثل هذا القول عن ابن جرير الطبري الحافظ ابن حجر في الفتح ١/ ٤٨١ فيما نقله عن النَّووي، وليس في كلام النَّووي ذكرٌ للطبري حين تناول هذه المسألة، وإنما قال في المجموع شرح المهذب ٣/ ١٦٨ وروضة الطالبين ١/ ٢٨٣: "وفي وجهٍ شاذِّ منكَرٍ قاله الإصطخريّ: إن عورةَ الرَّجل القُبُل والدُّبر فقط" وقد ردّ ابن حجر ما قيل عن ابن جرير في ذلك بقوله: "قلت: وفي ثبوت ذلك عن ابن جرير نظرٌ، فقد ذكر المسألة في تهذيبه، وردَّ على مَنْ زعم أنّ الفخِذَ ليست بعورة".
(¬٦) أخرجه أحمد في المسند ١/ ٥٣٨ ((٥١٤)، ومسلم (٢٤٠٢)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار ٤/ ٤١٥ (١٧١) من حديث سعيد بن العاص عن عائشة وعثمان بن عفّان رضي الله عنهما.
(¬٧) في صحيحه برقم (٣٧١) من حديث عبد العزيز بن صُهيب عنه رضي الله عنه.

الصفحة 344