كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 4)

قال: حدَّثنا المُزنيُّ، قال سمِعتُ الشافعي يقولُ: رؤيا الأنبياءِ وحي (¬١). وقد رَوَينا عن ابنِ عباسٍ رضي اللّهُ عنه أنّه قال: رؤيا الأنبياء وحيٌ (¬٢)، وتلا: {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} [الصافات: ١٠٢]. وهذا يدلُّ على أن قلوبَهم لا تنامُ، ألا ترَى إلى حديثِ ابنِ عباسٍ أن رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- نام حتى نفَخ، ثم صلَّى ولم يتوضَّأ، ثم قال: "إن عينيَّ تنامان، ولا ينامُ قلبي" (¬٣). والنومُ إنّما يُحكمُ له بحُكمِ الحدثِ إذا خَمر القلبَ وخامَره، وكان رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- لا يُخامِرُ النومُ قلبَه، وقولُه -صلى الله عليه وسلم-: "إني لستُ كهيئتكم، إني أبيتُ أُطعَمُ وأُسقَى" (¬٤). ومثلُ هذا كثير.
فإن قال قائل: إن في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "مَن يكلأُ لنا الصبحَ؟ " دليلًا على أن مِن عادتِه النومَ. قيل له: لم تُنعِم النظرَ، ولو أنعَمتَه لعلِمتَ أنَّ المعنى: مَن (¬٥) يرقُبُ لنا انفجارَ الصُّبح فيُشعِرَنا به في أولِ طلوعِه؟ لأنَّ مَن نامت عيناه لم يرَ هذا في
---------------
(¬١) أخرجه البيهقي في الكبرى ٨/ ١٥٤ (١٧٠٣٨)، وفي دلائل النبوَّة ٦/ ٣٤٥ من طريق الربيع بن سليمان، عنه.
(¬٢) أخرجه الطبراني في الكبير ٦/ ١٢ (١٢٣٠٢)، والحاكم في المستدرك ٢/ ٤٣٢ و ٤/ ٣٩٦ من طريقين عن سفيان الثوريّ، عن سماك بن حرب، عن سعيد بن جُبير، عنه. وأورده الهيثمي في المجمع ٧/ ١٧٦ وقال: رواه الطبراني عن شيخه عبد الله بن محمد بن أبي مريم وهو ضعيف، وباقي رجاله رجال الصحيح.
(¬٣) أخرجه أحمد في المسند ٣/ ٣٩٣ - ٣٩٤ (١٩١١)، والبخاري (١٣٨) و (٨٥٩)، ومسلم (٧٦٣) من حديث كريب مولى ابن عباس عنه رضي الله عنهما.
(¬٤) أخرجه مالك في الموطأ ١/ ٤٠٤ (٨٢٧) عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وهو الحديث الحادي والأربعون من أحاديث نافع عن ابن عمر، وسيأتي تمام تخريجه مع مزيد كلام عليه في موضعه إن شاء الله تعالى.
(¬٥) الاسم الموصول لم يرد في د ١.

الصفحة 358