كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 4)

أوله، ونومُ العين يَمنَعُ من مثلِ هذا لا نومُ القلبِ، وكان شأنُه التَّغليسَ بالصُّبح (¬١)، وكان بلالٌ من أعلم الناسِ بذلك، فلذلك أمَره بمراقبةِ الفجرِ، لا أنّ عادتَه كانت النومَ المعروفَ من سائرِ الناسِ. واللهُ أعلم.
ذكر ابنُ أبي شيبةَ أبو بكر (¬٢)، عن محمدِ بنِ فُضيلٍ، عن يزيدَ بنِ أبي زيادٍ، عن تميم بنِ سلمةَ، عن مسروقٍ، قال: ما أُحبُّ أن لي الدنيا وما فيها بصلاةِ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- بعدَ طلوع الشمس.
وذكره أيضًا (¬٣) عن عُبيدةَ بنِ حُميدٍ، عن يزيدَ بن أبي زياد، عن تميم بنِ سلمةَ، عن مسروقٍ، عن ابنِ عباس.
وهذا عندي، واللهُ أعلمُ، لانه أعلَمَ أمَّتَه أن مرادَ الله تعالى من الصلاةِ أن تُقضَى في وقتٍ آخر، كما قال تعالى في الصيام: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: ١٨٤]. وليس كالحجِّ وعرفةَ والضحايا والجِمار، وقد أوضَحنا هذا المعنى في كتابِ "الاستذكارِ".
وليس في تخصيصِ النائم والناسي بالذكرِ في قضاءِ الصلاةِ ما يُسقِطُ قضاءَها عن العامدِ لتركِها حتى يخرُجَ وقتُها، بل فيه أوضحُ الدلائلِ على أن العامدَ المأثومَ أولى أن يُؤمرَ بالقضاء من الناسي المُتجاوَزِ عنه، والنائم (¬٤) المعذورِ، وإنّما ذُكِر النائمُ والناسي؛ لئلا يتوهَّمَ مُتوهِّمٌ أنهما لما رُفِع عنهما الاثمُ، سقَط القضاءُ عنهما فيما وجَب عليهما، فأبان -صلى الله عليه وسلم- أن ذلك غيرُ مُسقطٍ عنهما قضاء
---------------
(¬١) أي: التَّكبير فيها، فيُصليها في أوّل وقتها.
(¬٢) الكنية لم ترد في د ١. وأخرجه في المصنَّف (٤٩٢٣).
(¬٣) في المصنَّف (٤٩٢٤).
(¬٤) قوله: "النائم" لم يرد في د ١.

الصفحة 359