كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 4)

الصلاةِ، وأنها واجبةٌ عليهما متى ما ذكراها، والعامدُ لا محالةَ ذاكِرٌ لها، فوجَب عليه قضاؤُها، والاستغفارُ من تأخيرِها؛ لعموم قولِه -صلى الله عليه وسلم-: "فإنَّ اللهَ تعالى يقولُ: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} ". وقد قضاها عليه السلامُ بعد خروج وقتِها يومَ الخندقِ من غيرِ نسيانٍ ولا نوم، إلّا أنّه شُغِل عنها (¬١). وأجاز لمَن أدرَك ركعةً من العصرِ أن يصلِّي تمامَها بعد خروج وقتِها. وقد زِدْنا هذا بيانًا وإيضاحًا في كتاب "الاستذكارِ" (¬٢)، والحمدُ لله.
وفي فزَع رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- دليلٌ على أن ذلك لم يكنْ من عادتِه منذُ بُعِث. واللهُ أعلم.
ولا معنى لقولِ مَن قال: إن فزعَ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- كان من أجلِ العدوِّ الذي يتبَعُهم؛ لأنّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- لم يتبَعْه عدوٌّ في انصرافِه من خيبرَ، ولا في انصرافِه من حُنينٍ، ولا ذكَر ذلك أحدٌ من أهلِ المغازي، بل كان منصرفُه في كلتا الغزوتين غانمًا ظافرًا، قد هزَم عدوه، وظفِر به وقمَعه، والحمدُ لله.
وأمَّا فزعُ أصحابِه في غيرِ هذا الحديثِ، فلما رأوا من فزعِه، وقد فزِعوا حينَ قدَّمُوا عبدَ الرحمنِ بنَ عوفٍ يُصلِّي لهم في غزوةِ تبُوكَ، حينَ خرَج رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- مع المُغيرةِ بنِ شعبةَ، فتوضَّأ ومسَح على خُفَّيه، وانتظَرُوه، وخَشُواْ فواتَ الوقتِ، فقدَّمُوا عبدَ الرحمنِ بنَ عوفٍ يؤمُّهم، فجاء رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- وقد صلَّى بهم عبدُ الرحمنِ ركعةً، ففرخَ الناسُ، فلما فرَغ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أحسَنتُم"، يغبطُهم أن صلَّوُا الصلاةَ لوقتِها. هكذا نقَله جماعةٌ من أصحابٍ
---------------
(¬١) أخرجه مالك في الموطّأ ١/ ١٥٩ (٥٠٦) عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيِّب أنه قال: ما صلّى رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- الظُّهر والعصر يومَ الخندق حتّى غابتِ الشّمس.
(¬٢) الاستذكار ١/ ٣٠٢.

الصفحة 360