كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 4)

ابنِ شهابٍ (¬١). وقد قام رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- إلى صلاةِ الكسوفِ فزِعًا يجُرُّ ثوبَه (¬٢). ويحتمِلُ أن يكونَ فزعُهم شفقةً وتأسُّفًا على ما فاتهم من وقتِ الصلاةِ، ولعلَّهم حَسِبوا أنّ الصلاةَ قد فاتَتْهم أصلًا، فلحِقَهم الفزَعُ والحزنُ لفوْتِ الأجرِ والفضلِ، ولم يعرِفوا أنّ خروجَ الوقتِ لا يُسقِطُ فرضَ الصلاةِ، حتى قال لهم رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَن نام عن صلاةٍ أو نَسِيَها، فليُصَلِّها إذا ذكَرها، كما كان يُصلِّيها لوقتِها" (¬٣). فأخبرهم أنّها غيرُ ساقطةٍ عنهم، وإذا لم تسقُطْ عنهم صلَّوها، وإذا صلَّوها أدرَكوا أجرَها إن شاءَ اللهُ. وأعلَمهم -صلى الله عليه وسلم- في حديثِ أبي قتادةَ أن الإثمَ عنهم في ذلك ساقطٌ بقولِه: "ليس التفريطُ في النوم، إنّما التفريطُ في اليقظةِ" (¬٤). وفي بعضِ ألفاظِ حديثِ أبي قتادةَ أنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنَّ الصلاةَ لا تفوتُ النائمَ، إنّما تفوتُ اليقظانَ"، ثمَّ توضَّأ وصلَّى بهم (¬٥).
وفي هذا الحديثِ: تخصيصٌ لقولِه عليه السلامُ: "رُفع القلمُ عن النائم حتى يَستيقِظَ" (¬٦). وبيانُ ذلك أنَّ رفعَ القلم عنه هاهنا من جهةِ رفع المأثم،
---------------
(¬١) أخرجه مالك في الموطّأ ١/ ٧٦ (٧٩) عن ابن شهاب عن عبّاد بن زياد من ولدِ المغيرة بن شعبة، عن أبيه المغيرة بن شعبة.
(¬٢) سلف تخريجه في سياق شرح الحديث الثالث والأربعين من مرسل زيد بن أسلم.
(¬٣) سلف تخريجه في سياق شرح الحديث الخامس من أحاديث زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار.
(¬٤) سلف تخريجه في سياق شرح الحديث الثالث والأربعين من مرسل زيد بن أسلم.
(¬٥) هذا معنى ما وقع في حديث أبي قتادة الأنصاريِّ رضي الله عنه في الحديث الذي أخرجه عبد الرزاق في المصنَّف ١/ ٥٨٨ (٢٢٤٠) و ١١/ ٢٧٨ (٢٠٥٣٨)، وأحمد في المسند ٣٧/ ٢٦٧ (٢٢٥٧٥)، من طريقين عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن عبد الله بن رباح، عنه، وفيه أنهم كانوا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بعض أسفاره، وأنهم ناموا، فما استيقظوا حتّى أشرقت الشّمسُ، وفيه أنه -صلى الله عليه وسلم- قال لهم: "لم تَهْلِكُوا، ولم تَفُتْكُمُ الصلاةُ، إنما تفوتُ اليقظانَ، ولا تَفوت النائم، هل من ماء؟ ".
(¬٦) سلف تخريجه في شرح مرسل إبراهيم بن عقبة بن أبي عياش الدني مولى آل الزُّبير.

الصفحة 361