كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 4)

قبَض نَفْسي الذي قبَض نفسَك. والباءُ زائدةٌ، أي: تَوفَّى (¬١) نفْسي مُتوفِّي نَفْسِكَ. والتَّوفِّي: هو القبضُ نَفْسُه، يعني: أن الله عزَّ وجلَّ قبَض نفسَه. وهذا قولُ مَن جعَل النفسَ الرُّوحَ، وجعَلهما شيئًا واحدًا؛ لأنّه قد قال في غيرِ هذا الحديثِ: "إن اللهَ قبَض أرواحَنا" (¬٢). فنصَّ (¬٣) على أنَّ المقبوضَ هو الرُّوحُ. وفي القرآن: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} [الزمر: ٤٢].
ومَن قال: إن النفسَ غيرُ الرُّوح، تأوَّل قولَ بلالٍ: أخَذ بنَفْسي من النوم ما أخَذ بنفسِك منه (¬٤).
وقد تقدَّم القولُ في النفسِ والرُّوح مُستوعَبًا في بابِ زيدِ بنِ أسلمَ من كتابِنا هذا، فأغنى عن إعادتِه (¬٥).
فأما قولُه: "اقتادُوا شيئًا" فمعناه -عند أهلِ المدينةِ-: ما ذكره زيدُ بنُ أسلمَ في حديثه، وهو قولُه -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ هذا وادٍ به شيطانٌ". وقد تقدَّم القولُ في هذا، في بابِ مُرسلِ زيدِ بنِ أسلمَ من كتابِنا هذا، فأغنى عن إعادتِه (¬٦).
وقال أهلُ العراقِ: معنى اقتيادِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- وأصحابِه رواحلَهم حتى خرجوا من الوادي، إنّما كان تأخيرًا للصلاةِ؛ لأنهم انتبَهُوا في وقتٍ لا تجوزُ فيه صلاةٌ،
---------------
(¬١) في ج: "أي: قبض".
(¬٢) أخرجه بهذا اللفظ مالك في الموطأ ١/ ٤٦ (٢٦) عن زيد بن أسلم مرسلًا، وهو عند البخاري موصولًا (٥٩٥) و (٧٤٧١) من حديث عبد الله بن قتادة الأنصاريّ عن أبيه بلفظ: "إنّ الله قبض أرواحكم ... "، وهو الحديث الثالث والأربعون من أحاديث زيد بن أسلم، وقد سلف مع تمام تخريجه في موضعه.
(¬٣) قوله: "فنصّ" لم يرد في د ١.
(¬٤) من قوله: "ومن قال: إن النفس غير ... " إلى هنا لم يرد في د ١.
(¬٥) سلف ذلك في الموضع المشار إليه في التعليق السابق.
(¬٦) سلف في الموضع نفسه المشار إليه آنفًا.

الصفحة 363