كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 4)

وذلك عندَ طلوع الشمس. وزعَموا أن نهيَ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- عن الصلاةِ عندَ طلوع الشمسِ وعندَ غُروبها يقتضي الفريضةَ والنافلةَ وكلَّ صلاةٍ مفروضةٍ ومَسْنونةٍ. واحتجُّوا من الآثارِ بنحوِ حديثِ مالكٍ، عن هشام بنِ عُروةَ، عن أبيه، أن رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقولُ: "إذا بدا حاجبُ الشَّمسِ فأخِّرُوا الصلاةَ حتّى تبرُزَ، وإذا غابَ حاجبُ الشَّمسِ فأخِّرُوا الصلاةَ حتّى تغِيبَ" (¬١). وتأوَّلوا هذا على الفرائضِ وغيرها. وقد مضَى الرَّدُّ عليهم في تأويلهم هذا في غيرِ موضع من كتابِنا هذا فأغنَى عن إعادتِه.
ومما يبيِّنُ لك أن خروجَ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- وخروجَ أصحابِه من ذلك الوادي لم يكن لما ذكره العراقيُّون: أنَّهم لم يستيقِظُوا حتى ضرَبهم حرُّ الشمس، والشمسُ لا تكونُ لها حرارةٌ إلّا وقد ارتفَعت وحلَّت الصلاةُ. وهذه اللفظةُ محفوظةٌ في حديثِ الزُّهريِّ، وفي غيرِ ما حديثٍ من الأحاديثِ المرويةِ في نوم النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- عن الصلاةِ، منها: حديثُ جبيرِ بنِ مُطعِم، وحديثُ ابنِ مسعودٍ، وحديثُ أبي قتادةَ، وقد ذكرناها في بابِ زيدِ بنِ أسلمَ (¬٢).
حدَّثنا عبدُ الوارثِ بنُ سفيانَ، قال: حدَّثنا أحمدُ بنُ سعيد. وحدَّثنا خلفُ بنُ سعيدٍ، قال: حدَّثنا عبدُ الله بنُ محمدٍ، قالا: حدَّثنا أحمدُ بنُ خالدٍ، قال: حدَّثنا إسحاقُ بنُ إبراهيمَ، قال: حدَّثنا عبدُ الرزاقِ، عن معمرٍ، عن الزهريِّ،
---------------
(¬١) أخرجه مالك في الموطّأ ١/ ٣٠١ (٥٨٥)، وهو الحديث الخامس والخمسون من أحاديث هشام بن عروة عن أبيه، وسيأتي تمام تخريجه مع مزيد كلام عليه في موضعه إن شاء الله تعالى.
(¬٢) في سياق شرحه للحديث الخامس من أحاديثه عن عطاء بن يسار وعن بُسْر بن سعيد. وفي الحديث الثالث والأربعين المرسل.

الصفحة 364