كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 4)

عن ابنِ المسيِّبِ، قال: لما قفَل رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- من خيبرَ، أسرَى ليلةً حتى إذا كان من آخرِ الليلِ عدَل عن الطريقِ، ثم عرَّس، وقال: "مَن يحفَظُ علينا الصُّبحَ؟ "، فقال بلالٌ: أنا يا رسولَ الله. فجلَس يحفَظُ عليهم، فنام النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- وأصحابُه. فبينما بلالٌ جالسٌ غلَبته عينُه، فما أيقظَهُم إلّا حرُّ الشمسِ ففزِعُوا فقال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "أنمتَ يا بلالُ؟ ". فقال: يا رسولَ الله، أخَذ نَفْسي الذي أخَذ أنفُسَكم. قال: فاقتادوا رواحلَهم وارتحلُوا عن المكانِ الذي أصابتهم فيه الغَفْلةُ، ثم صلَّى بهم الصُّبحَ، فلما فرَغ قال: "مَن نسِيَ الصلاةَ فليُصلِّها إذا ذكرها؛ فإن اللهَ عزَّ وجلَّ يقولُ: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} ". قال معمرٌ: وكان الحسنُ يُحدِّثُ نحوَ هذا الحديثِ، ويذكُرُ أنَّهم ركعُوا ركعتي الفجرِ، ثم صلَّى بهمُ الصُّبح (¬١). ففي قوله: فما أيقَظهم إلّا حرُّ الشمسِ. وقوله: ارتحلوا عن المكانِ الذي أصابتهم فيه الغفلةُ، دليل على صحةِ ما ذهَب إليه أهلُ المدينةِ. ودليلٌ آخرُ، هو قولُه عليه الصلاةُ والسلامُ: "مَن أدرَك ركعةً من الصُّبح قبلَ أن تطلُعَ الشمسُ فقد أدرَك الصبحَ" (¬٢).
وحدَّثنا عبدُ الوارثِ (¬٣)، قال: حدَّثنا قاسم، قال: حدَّثنا عبدُ الله بنُ مسَرَّة ومحمدُ بنُ عبدِ السَّلام، قالا: حدَّثنا أبو موسى الزَّمِنُ محمدُ بنُ المثنَّى، قال: حدَّثنا محمدُ (¬٤) بنُ أبي عديٍّ، عن سعيدٍ، عن قتادةَ، عن خِلاسٍ، عن أبي رافع،
---------------
(¬١) أخرجه عبد الرزاق في المصنَّف ١/ ٥٨٧ (٢٢٣٧) عن معمر، به.
(¬٢) أخرجه مالك في الموطّأ ١/ ٣٦ (٥) عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار وعن بُسْر بن سعيد، وعن الأعرج كلُّهم يحدِّثُه عن أبي هريرة رضي الله عنه، وهو الحديث الخامس من أحاديث زيد بن أسلم عن المذكورين، وقد سلف مع تمام تخريجه في موضعه.
(¬٣) هو عبد الوارث بن سفيان بن جبرون، وقاسم: هو ابن أصبغ البيانيّ.
(¬٤) "محمد" لم يرد في د ١.

الصفحة 365