كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 4)

عن أبي هريرةَ، أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا أدرَكتَ ركعةً من صلاةِ الفجرِ قبلَ أن تطلُعَ الشمسُ، فصلِّ إليها أُخرى" (¬١).
ومعلومٌ أن الأُخرى مع طلوع الشمس، فأيُّ شيءٍ أبينُ من هذا؟
ودليلٌ آخرُ، وهو ما ذكره عطاءٌ، أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- ركَع في ذلك الوادي ركعتي الفجرِ، ثم سار ساعةً، ثم صلَّى الصبحَ (¬٢). ومعلومٌ أنّ كلَّ وقتٍ تجوزُ فيه النافلةُ يجوزُ فيه قضاءُ المنسيَّةِ المفروضةِ، وهذا ما لا خلافَ فيه.
ودليلٌ آخرُ لا مدفعَ له، وهو قولُه -صلى الله عليه وسلم- في آخرِ هذا الحديثِ: "مَن نام عن الصلاةِ أو نسيَها، فلْيُصلِّها إذا ذكرها"، فهذا إطلاق أن يُصلِّيَ المُنتبِهُ والذاكرُ في كلِّ وقتٍ، على ظاهرِ الحديثِ، صلاتَه التي انتبَه إليها وذكرها.
وقد اختلَف العلماءُ من هذا المعنى، فيمَن ذكر صلاةً فاتَتْهُ وهو في آخرِ وقتٍ صلاةٍ، أو ذكر صلاةً وهو في صلاةٍ، فجملةُ مذهبِ مالكٍ أنّه مَن ذكر صلاةً وقد حضَر وقتُ صلاةٍ أُخرى، بدأ بالتي نسِيَ إذا كان ذلك خمسَ صلواتِ فأدنى، وإن فات وقتُ هذه. وإن كان أكثرَ من ذلك، بدأ بالتي حضَر وقتُها (¬٣). وعلى نحوِ هذا مذهبُ أبي حنيفةَ، والثوريِّ، والليثِ، إلّا أن أبا حنيفةَ وأصحابَه
---------------
(¬١) أخرجه أحمد في المسند ١٢/ ١٥٠ (٧٢١٦) عن محمد بن أبي عديّ، به. وأخرجه في المسند ١٦/ ٢٢٤ (١٠٣٣٩) من طريق سعيد بن أبي عروبة، به. وخلاس: هو ابن عمرو الهَجَريّ، وأبو رافع: هو نُفيع الصائغ. وسماع محمد بن أبي عديّ من سعيد بن أبي عَروبة بعد اختلاطه، لكن تابعه روح بن عبادة في الرواية الثانية عند أحمد، ووقع تصريح قتادة بن دعامة السَّدوسيّ بسماعه من خلاس بن عمرو في حديث آخر عند أحمد ١٦/ ٢٣٥ (١٠٣٥٩) فقال: حدثني خلاس.
(¬٢) سلف تخريجه في سياق شرح الحديث الثالث والأربعون من مرسل زيد بن أسلم.
(¬٣) ينظر: المدوّنة ١/ ٢١٦ - ٢١٧، والأوسط لابن المنذر ٣/ ١١٦ - ١١٧.

الصفحة 366