كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 4)

في التمادي مع الإمام عندَ أكثرِهم اتِّباعُ ابنِ عمرَ، وحديثُه في ذلك ما رواه مالكٌ (¬١)، عن نافع، أنَّ عبدَ الله بنَ عمرَ (¬٢) كان يقولُ: من نسِيَ صلاةً فلمْ يذكُرْها إلّا وهو مع الإمام، فإذا سلَّم الإمامُ، فليُصلِّ الصلاةَ التي نسِيَ، ثم ليُصلِّ بعدَها (¬٣) الصَّلاةَ الأخرى. ولا مخُالفَ له في هذه المسألةِ من الصحابةِ، مع دَلالةِ قولِ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-: "فليصلِّها إذا ذكرها".
وقد رُويَ من حديثٍ أبي جُمُعةَ -واسمُه حبيبُ بنُ سِباع، وله صحبةٌ- قال: صلَّى رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- المغربَ يومَ الأحزابِ، فلما سلَّم، قال: "هل علِمَ أحدٌ منكم أنّي صلَّيتُ العصرَ؟ "، قالوا: لا يا رسولَ الله، قال: فصلَّى العصرَ، ثم أعاد المغربَ (¬٤). وهذا حديثٌ منكرٌ، يرويه ابنُ لهيعةَ عن مجهولَين.
وقال الشافعيُّ، والطبريُّ، وداودُ: يتمادَى مع الإمام، ثم يُصلِّي التي ذكر، ولا يُعيدُ هذه. وليس الترتيبُ عندَ هؤلاء بواجبٍ، فيما قلَّ ولا فيما كثر. ومن
---------------
(¬١) في الموطّأ ١/ ٢٣٩ (٤٦٧)، ورواه عن مالك بالإسناد نفسه عبدُ الرزاق في المصنَّف ٢/ ٥ (٢٢٥٥).
(¬٢) من قوله: "وحديثه في ذلك ... " إلى هنا لم يرد في د ١.
(¬٣) ظرف الزمان لم يرد في د ١.
(¬٤) أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى ٢/ ٧٢، وأحمد في المسند ٢٨/ ١٨١ (١٦٩٧٦)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني ٤/ ١٥٣ (٢١٣٧)، والدّولابيّ في الكنى والأسماء (١٥٣)، والبغويّ في معجم الصحابة ٢/ ١٢٥ (٤٩٧)، والطبراني في الكبير ٤/ ٢٣ (٣٥٤٢)، والبيهقيّ في الكبرى ٢/ ٢٢٠ (٣٣١٦) من طُرقٍ عن عبد الله بن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن محمد بن يزيد، أنّ عبد الله بن عوف حدَّثه، أن أبا جُمعة حبيبَ بن سِبَاع -وكان قد أدرك النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-؛ فذكره. ولكن وقع عند ابن أبي عاصم في متن الحديث قلبٌ، ففيه عنده: "فصلّى المغربَ ثم صلّى العصر" على خلاف ما وقع عند الَاخرين، ومهما يكن فهو حديث منكر كما ذكر المصنِّف، ثم إنّه مخالفٌ لِمَا في الصحيحين من قوله -صلى الله عليه وسلم- لعُمر: "والله ما صلَّيتُها" كما ذكر الحافظ ابن حجر في الفتح ٢/ ٦٩. ينظر: البخاري (٦٤١)، ومسلم (٦٣١) من حديث جابر بن عبد الله عن عمر رضي الله عنهما.

الصفحة 371