كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 4)

حجَّتهم أن (¬١) الترتيبَ إنّما يجبُ في اليوم وأوقاتِه، فإذا خرَج الوقتُ، سقَط الترتيبُ، استدلالًا بالإجماع على أن شهرَ رمضانَ تجِبُ الرتبةُ فيه والنَّسَقُ لوقتِه، فإذا انقَضى، سقَطتِ الرتبةُ عمَّن كان عليه منه شيءٌ بسفرٍ أو علَّةٍ، وجاز أن يأتي به على غيرِ نسَقٍ ولا رتبةٍ مُتفرِّقًا، فكذلك الصلواتُ المذكوراتُ الفوائتُ، واللهُ أعلم (¬٢).
واحتج داودُ وأصحابُه بأن رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- صلَّى ركعتي الفجرِ ذاكرًا للصبح في حين نومِه في سفرِه. قالوا: فقد صلَّى رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- وهو ذاكرٌ صلاةً واجبةً عليه، ركعتي الفجرِ، وهما غيرُ واجبتين عليه. وهذا عندي لا حجَّةَ فيه، لأنّه لم يذكُرْ في ركعتي الفجرِ صلاةً قبلَها، وإنما المراعاةُ أن يذكُرَ في الصلاةِ ما قبلَها. ولكلِّ واحدٍ منهم حُجج من جهةِ النظرِ في أكثرِها تشعيبٌ وتطويلٌ، وفيما ذكرتُ لكَ من أقاويلهم ما تقِفُ به على المرادِ من معنى حديثِ هذا البابِ إن شاء الله.
وأما قولُه في حديثِ مالكٍ: "ثم أمَر بلالًا فأقام الصلاةَ" يحتمِلُ أن يكونَ أقام ولم يؤذِّنْ، ويحتمِلُ أن يكونَ أقام الصلاةَ بما تُقامُ به من الأذانِ والإقامةِ والطهارةِ. وقد رُويَ عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- من وجوهٍ أنّه أمَر بلالًا فأذن وأقام في حينَ نام عن الصلاةِ في السفرِ. وقد ذكرناها (¬٣).
وقد روَى أبانُ العطَّارُ، عن معمرٍ، عن الزُّهريِّ، عن سعيدِ، عن أبي هريرةَ هذا الحديثَ، وذى فيه أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- صلَّى الركعتين قبلَ صلاةِ الفجرِ، ثم أمر بلالًا فأقام، فصلَّى الفجرَ (¬٤). وهذا ليس بمحفوظٍ في حديثِ الزهريِّ إلّا من
---------------
(¬١) حرف النصب والتوكيد لم يرد في د ١.
(¬٢) ينظر: الأوسط لابن المنذر ٣/ ١١٦ - ١١٨.
(¬٣) سلف ذلك في سياق شرحه للحديث الثالث والأربعين من مرسل زيد بن أسلم.
(¬٤) سلف ذلك في أول شرحه لحديث هذا الباب (الحديث الثامن لابن شهاب عن ابن المسيّب مرسل) ص ٢٧٩ - ٢٨٠، فأشار إلى رواية أبان العطار، وعلَّق عليها هناك بنحو ما ذكره هنا، فقال: "وعبد الرزاق أثبتُ في معمرٍ من أبان العطّار" فلينظر تمام تخريجه هناك.

الصفحة 372