كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 4)

يذكُرونَ فيه أبا هريرةَ، ويجعَلُونه عن سعيدٍ مُرْسلًا، وأصلُ هذا الحديثِ عندَ أهلِ العلم بالنقل مُرسَل، وإن كان قد وُصِل مِن جِهَاتٍ كثيرِ؛، فإنَّهم يُعلِّلونَها، وهو مع هذا حديث لا يَرْفعُه أحَدٌ منهم وإن اختَلَفوا في تأْويله ومعناه، وبالله التوفيق.
قال أبو عمر: الرِّوايةُ في هذا الحديثِ: "لا يَغْلَقُ الرَّهْنُ" برَفْع القافِ على الخبرِ، أي: ليس يَغْلقُ الرهْنُ، ومعنَاه: لا يذْهَبُ ويتلَفُ باطلًا، والأصلُ في ذلك الهلاكُ، والنحويُّونَ يقولونَ: غَلِق الرهْنُ: إذا لم يُوجَدْ له تخلُّصٌ (¬١). قال امرؤُ القَيْس (¬٢):
غَلِقْنَ برَهْنٍ مِن حبيبٍ به ادَّعَتْ ... سُلَيْمَى فأمسى حبْلُها قد تَبتَّرا (¬٣)
وقال زُهَيرٌ (¬٤):
وفارَقَتْكَ برَهْنٍ لا فِكَاكَ لهُ ... يومَ الوَداع فأمسى الرَّهنُ قد غَلِقا
وقال آخَرُ، وهو قَعْنَبُ ابنُ أمِّ صاحِبٍ، وهو أحَدُ المنسوبِين إلى أُمَّهاتِهم، وهو قَعْنَبُ بنُ حمزةَ أحَدُ بني عبدِ الله بنِ غطَفانَ:
بانت سُعَادُ وأمسَى دونَها عَدَنُ ... وغلِقَتْ عندَها مِن قلبِك الرُّهُنُ (¬٥)
---------------
(¬١) وعلى هذا فهو من المجاز كما ذكر الزَّمخشريُّ وغيره، ونحوه قولهم: مكان غَلِقٌ وضَجِرٌ؛ أي: ضيِّق: ينظر: أساس البلاغة ١/ ٧٠٨، ولسان العرب (غلق).
(¬٢) ديوانه: ص ٦٠.
(¬٣) أي: تقطَّع، والتَّبتُّر: الانقطاع. تاج العروس (بتر).
(¬٤) ديوانه ص ٧. وعنّى بالرَّهْنِ: قلْبَه. أي أنها ارْتَهنت قلبه فذهبت به. ينظر: شرح أدب الكاتب لموهوب بن أحمد الجواليقي ص ٥٩.
(¬٥) البيت في مجاز القرآن لأبي عُبيدة ١/ ٨٤ و ٢/ ٢٠٣، وفي معاني القراءات ١/ ٢٣٧، وتهذيب اللغة للأزهريِّ، وفي جامع البيان لابن جرير الطبريَّ ٦/ ٩٧، وفي اللسان مادة (رهن) ووقع عندهم عدا الطبريّ "قَبْلِكَ" بدل "قلبك".

الصفحة 399