كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 4)

ورَوى عبدُ الرَّزَّاقِ (¬١) وعبدُ الملكِ بنُ الصَّبَّاح جميعًا، عن الثوريِّ، عن ابنِ أبي ذئْبٍ، عن الزهريِّ (¬٢)، عن ابنِ المسيِّبِ، قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يَغْلَقُ الرَّهْنُ مِمَّن رهَنه؛ له غُنمُه، وعليه غُرْمُه". زاد عبدُ الملكِ، عن الثوريِّ، قال: إن لم يَأْتِه بمالِه فلا يَغْلَقُ الرَّهْنُ.
قال أبو عمر: فعلى هذا تفسيرُ أهل العلم في قولِه: "لا يَغْلَقُ الرَّهْنُ": أنَّ ذلك إنّما قُصِد به الرهنُ القائِمُ، أي: لا يَسْتَغْلِقُه المُرْتَهِنُ فيأْخُذَه بشرطِه الذكور، إذ قد أبْطَلَت ذلك الشرطَ السُّنةُ، وليس ذلك في الرهنِ يَتْلَفُ عندَ المُرْتَهِنُ؛ لأنَّ الذي تَلِف لا يَغْلَقُ، لأنّه قد ذهَب، وإنّما قيل فيما كان باقيًا موجودًا: لا يَغْلَقُ؛ أي: لا يأْخُذُه المُرْتَهِنُ إذا حلَّ الأجَلُ بما له عليه، ولا يكونُ أولى به مِن صاحِبِه.
ورَوى هُشَيْمٌ (¬٣)، عن مغيرةَ، عن إبراهيمَ، قال: إذا أقْرَض الرجلُ قَرْضًا، ورهَنه رَهْنًا، وقال: إن أتَيْتُكَ بحَقِّكَ إلى كذا وكذا، وإلّا (¬٤) فهو لك بما فيه. فقال: ليس هذا بشيءٍ، هو رَهْنٌ على حالِه لا يَغْلَقُ.
قال أبو عمر: اختَلَف العلماءُ قديمًا وحديثًا، مِن الصحابَةِ والتابِعِينَ، ومَن بعدَهم مِن الخالفِين، في الرَّهْنِ يَهْلِكُ عندَ المُرْتَهنِ وَيتْلَفُ مِن غيرِ جِنايَةٍ منه (¬٥) ولا تَضْيِيع.
فقال مالكُ بنُ أنسٍ، والأوْزَاعيُّ، وعثمانُ البتِّيُّ: إن كان الرَّهْنُ ممَّا يَخْفَى
---------------
(¬١) في المصنَّف ٨/ ٢٣٧ (١٥٠٣٤).
(¬٢) شبه الجملة لم يرد في د ١.
(¬٣) هشيم: هو ابن بشير الواسطيّ، ومغيرة: هو ابن مقسم الضَّبِّيّ. وإبراهيم: هو ابن يزيد النَّخعيّ. وهذا القول نقله عنه ابن المنذر في الأوسط ١٠/ ٥٢٩ ولم يُسنده، وقال: ورُويَ معنى هذا عن شُريح، وبه قال أصحاب الرأي.
(¬٤) قوله: "وإلا" لم يرد في د ١.
(¬٥) شبه الجملة لم يرد في د ١.

الصفحة 402