كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 4)

لغيرِهم، ولما مُنِعُوه، والذي ذهَب إليه إسماعيلُ تخصيصُ آيةِ "الأنفالِ" في قولِه: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: ٤١]. وأنَّ هذا لفظُ عموم بقولِه: {مِنْ شَيْءٍ} يرادُ به الخصوصُ، والمرادُ بذلك عندَه الذَّهبُ والفضَّةُ وسائرُ الأمتعةِ والسَّبْيُ، وأمَّا الأرضُ فغيرُ داخلةٍ في عموم هذا اللفظِ. واستدلَّ على ما ذهَب إليه مِن ذلك بأشياءَ؛ منها: ظاهرُ قولِه عزَّ وجلَّ: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} الآيةَ إلى قوله: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ}، إلى قوله: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} [الحشر: ٧ - ١٠]. ومنها: فعلُ عمرَ بنِ الخطَّابِ في توقيفِه أرضَ السوادِ. ومنها: أنَّ الغنائمَ التي أُحِلَّت للمسلمين هي التي كانت محرَّمةً على الأمم قبلَهم، وهي التي كانت النارُ تأكُلُها.
قال: ولم تختلفِ الرِّوايةُ في أنَّ هارونَ عليه السَّلامُ أمَر بَني إسرائيلَ أن يَحرِقوا ما كان بأيديهم مِن متاع فرعونَ، فجمَعوه وأحرَقوه، وألقَى السَّامريُّ فيه (¬١) القبضةَ التي كانت بيدِه مِن أثَرِ الرسولِ، يقالُ: مِن أثرِ جبريلَ عليه السلامُ، فصارت عِجلًا له خُوارٌ. ومعلومٌ أنَّ الأرضَ لم تجْرِ هذا المجرَى؛ لأنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يقولُ: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا} [الأعراف: ١٣٧]، وقال: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٢٥) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (٢٦) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (٢٧) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ} [الدخان: ٢٥ - ٢٨].
وهذا الذي ذهَب إليه إسماعيلُ واحتجَّ له هو مذهبُ مالكٍ وأصحابِه، وهو الصَّحيحُ في هذا البابِ إن شاء اللهُ، لأنَّ عمرَ بنَ الخطَّابِ لم يقسِمْ أرضَ
---------------
(¬١) شبه الجملة لم يرد في د ١.

الصفحة 425