كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 4)

داودَ، قال (¬١): حدَّثنا أحمدُ بنُ يونُسَ، قال: حدَّثنا زُهيرٌ -يعني ابنَ معاويةَ- قال: أخبرَني سهيلُ بنُ أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرةَ، قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "منَعَتِ العراقُ قَفِيزَها ودرهمَها، ومنَعَتِ الشامُ مُدْيَها (¬٢) ودينارَها، ومنَعَتْ مصرُ إرْدَبَّها (¬٣) ودينارَها، ثم عدْتُم من حيث بَدَأتُم". شهِد على ذلك لحمُ أبي هريرةَ ودمُه.
قال أبو جعفرٍ الطحاويُّ: "منَعتْ" بمعنى: ستمنعُ (¬٤). واحتجَّ بهذا الحديثِ لمذهبِ عمرَ في إيقافِ الأرضِ وضربِ الخراج عليها، على مذهبِ الكوفيِّينَ. وكان الثوريُّ، وأبو حنيفةَ وأصحابُه، يذهَبون إلى أنَّ الإمامَ بالخيارِ؛ إن شاء قسَمها وأهلَها بينَ الغانِمين، وإن شاء أقرَّ أهلَها عليها، وجعَل عليها وعليهم الخراجَ، وتكونُ الأرضُ ملكًا لهم، يجوزُ بيعُهم لها وشراؤُهم (¬٥).
وقال الشافعيُّ: ما كان عَنْوةً، فخُمُسُها لأهلِها، وأربعةُ أخماسِها للغانِمين، فمَن طاب نفسًا عن حقِّه، جاز لإمامِه أنْ يجعلَها وقفًا على المسلمين، ومَن لم تطِبْ نفسُه بذلك، فهو أحقُّ بمالِه (¬٦).
---------------
(¬١) في سننه برقم (٣٠٣٥)، وقد سلف تخريجه قبل قليل.
(¬٢) المُدْيُ: مكيال أهل الشام، يقال: يَسَع خمسة عشر، أو أربعة عشر مكوكًا، والمكوك: صاعٌ ونصف، وقيل: أكثر من ذلك، ينظر: معالم السنن للخطابي ٣/ ٣٥، والنهاية في غريب الحديث ٤/ ٣١٠.
(¬٣) الإردب: مكيال لأهل مصر، يقال: إنه يَسَع أربعة وعشرين صاعًا، معالم السنن ٣/ ٣٥.
(¬٤) في مختصر اختلاف العلماء له ١/ ٤٤٤.
(¬٥) نقله عنهم أبو جعفر الطحاوي في مختصر اختلاف العلماء ٣/ ٤٩٤.
(¬٦) الأم للشافعي ٤/ ٢٥٢، وينظر: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٣/ ٤٩٤، والمجموع شرح المهذّب للنَّوويّ ١٩/ ٣٥٤.

الصفحة 429