كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 4)

وكان الشافعيُّ يذهَبُ إلى أنَّ خُمُسَ أرضِ العَنْوةِ غيرُ مملوكةٍ، ولا يجوزُ بيعُها ولا رهنُها (¬١)، وهو قولُ ابنِ شُبرُمةَ، وعُبيد الله بنِ الحسنِ، وقولُ مالكِ بنِ أنسٍ أيضًا في جملةِ أرض العَنْوةِ، على ما ذكرنا من أقوالهم في قسمتِها أو توقيفِها. فإذا قُسِمَتْ، ملَك كلٌّ نصيبَه، في قولِ مَن أجاز قِسْمتَها، فإنْ وُقِفتْ على الوُجوهِ التي ذكرنا عن طيبِ نفسٍ مِن الغانِمين، أو على مذهبِ عمرَ، في قولِ مالكٍ وغيره، فهي غيرُ مملوكةٍ (¬٢).
وذهَب أبو حنيفة، والثوريُّ، وابنُ أبي ليلى، إلى أنّها مملوكة لأهلِها الذينَ أُقِرَّتْ في أيديهم، على ما ذكرنا عنهم (¬٣).
وأجاز مالكٌ بيعَ أرضِ الصُّلح ورهنَها، وجعَلَها ملْكًا لأهلِها الذين صالحوا عليها، قال: ومَن أسلَمَ منهم كان أحقَّ بأرضِه ومالِه. قال: ومَن أسلَمَ مِن أرضِ العَنْوةِ أحرزَ نفْسَه، وصارت أرضُه للمسلمين؛ لأنَّ بلادَهم صارت فيئًا للمسلمينَ، وحكمُ الأرضِ عندَهم حكمُ الفيء (¬٤).
وقال الشافعيُّ (¬٥): كلُّ ما حصَل مِن الغنائم مِن أهلِ دارِ الحربِ مِن شيءٍ، قلَّ أو كثُرَ؛ مِن دارٍ أو أرضٍ أو متاع أو غيرِ ذلكَ، قُسِمَ، إلّا الرِّجالُ البالغونَ، فإنَّ الإمامَ فيهم مخيَّرٌ بينَ أنْ يمُنَّ أو يقتلَ أو يُفادِيَ أو يَسْبيَ. وسبيلُ ما سُبيَ منهم، أو أُخِذَ مِن شيءٍ على إطلاقِهم، سبيلُ الغنيمةِ.
---------------
(¬١) الأمّ للشافعي ٣/ ١٥٤، وينظر: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٣/ ٤٩٥، والمجموع شرح المهذّب ١٣/ ٢٠٩.
(¬٢) ينظر قول مالكٍ في المدوّنة ١/ ٣٣٩، وباقي الأقوال في مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٣/ ٤٩٤.
(¬٣) نقله عنهم الطحاوي في مختصر اختلاف العلماء ٣/ ٤٩٤.
(¬٤) ينظر: المدوّنة ١/ ١٣٨ - ١٤٠.
(¬٥) في الأمّ ٤/ ٢٥٢، وينظر: مختصر المُزنيّ ٨/ ٢٤٩.

الصفحة 430