كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 4)

ومِن الحجَّةِ من قال: تُقسَمُ الأرضُ كما تقسَمُ سائرُ الغنائم: عمومُ قولِ الله عزَّ وجلَّ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} الآيةَ. والأرضُ مغنومةٌ لا محالةَ، كسائرِ الغنيمةِ، فوجَب أنْ تُقسمَ كما تُقسَمُ الغنائمُ كلُّها، وقد قسَم رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- ما افتُتِح عَنْوةً مِن خيبرَ على قسمةِ الغنائم؛ الأربعةُ الأخماسِ لأهلِ الحديبيةِ، وهم الذين وعَدهم اللهُ بها، وشَهِدوا فتحَها.
قالوا: وهذا أمرٌ يُستغنَى فيه عن نقل الإسنادِ؛ لشهرتِه عندَ جميع أهلِ السِّيرِ والأثرِ، ولم يَستثنِ اللهُ عزَّ وجلَّ أرضًا مِن غيرِها مِن الغنائم، ولو جاز أنْ يُدَّعَى الخُصوصُ في الأرضِ، جاز أنْ يُدَّعى في غيرِ الأرضِ، فيبطُلَ حكمُ الآية (¬١).
قالوا: ولا معنى لما احتجَّ به مخالِفُنا مِن آيةِ سورةِ الحشر، لأنَّ ذلك إنّما هو في الفيءِ لا في الغنيمةِ، وجملةُ الفيءِ: ما رجَع إلى المسلمينَ مِن المشركين بلا قتالٍ، مثلَ مَن يترُكُ بلادَه ويخرُجُ عنها لما لحِقه من الرُّعبِ الذي به نُصِر رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-، قال -صلى الله عليه وسلم- (¬٢): "نُصِرتُ بالرُّعبِ مسيرةَ شهرٍ" (¬٣). ومثلَ ما صالَحَ عليه أهلُ الكفرِ، وما يُؤخذُ منهم مِن الجزيةِ، وما تأتي به الرِّيحُ مِن مراكبِ العدوِّ بغر أمانٍ، أو يموتُ منهم ميِّتٌ في بلادِ المسلمينَ لا وارثَ له، فكلُّ هذا وما كان مثلَه مما يُفيءُ اللهُ على المسلمين بغيرِ قتالٍ ولا مئونةِ حربٍ، فهو الفيءُ الذي قُصِد بالآيةِ التي في سور الحشرِ؛ فيُقْسَمُ على ما ذكِرَ فيها، نحوَ قَسْم خُمُسِ الغنيمةِ، ولم يُقصَدْ بذلك إلى الأرضِ المغنومةِ.
قالوا: ولا دليلَ في الآيةِ على ما ذهَب إليه مخالِفُنا؛ لأنَّ قولَه عزَّ وجلِّ:
---------------
(¬١) في ج: "فتبطل الآية".
(¬٢) عبارة "قال -صلى الله عليه وسلم-" سقطت من د ١.
(¬٣) سلف تخريجه في أثناء شرح الحديث الثالث والأربعين من مرسل زيد بن أسلم.

الصفحة 431