كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 4)

وقد قيل: إنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- إنَّما قال: "أُقرُّكم ما أقرَّكم اللهُ" وكان يخرُصُ عليهم؛ لأنَّ اللهَ كان قد أفاءَها عليه بغيرِ قتالٍ، أو بعضَها، على ما تقدَّمَ وصفُنا له، وكان أهلُها له ولمَنِ استحقَّ شيئًا منها، كالعبيدِ؛ لأنّه سباهُم ومنَّ عليهم (¬١)، وجائزةٌ بينَ السَّيِّدِ وعبدِه ما لا يجوزُ بينَه وبينَ غيرِه؛ لأنَّ مالَه له، وله انتِزاعُه منه، ألا تَرى أنّه ليس بينَ العبدِ وسيِّدِه ربًا، وإنْ كُرِهَ ذلك لهما عندنا؟
وأمَّا الخرصُ في المُساقاةِ، فإنَّ ذلك غيرُ جائزٍ عندَ أكثرِ العلماءِ في القسمةِ والبيوع، إلّا أنَّ أصحابَنا يُجيزون ذلك عندَ اختلافِ أغراضِ الشُّركاءِ، ولهم في ذلك ما نُوردُه بعدُ عنهم في هذا البابِ إن شاء الله.
وأكثرُ العلماءِ يُجيزون الخرصَ للزكاةِ (¬٢)، وإنَّما يجوزُ ذلك عندَهم في الزكاةِ؛ لأنَّ المساكينَ ليسوا شركاءَ معيَّنينَ، وإنَّما الزكاةُ كالمعروفِ، وأهلُها فيها أُمناءُ. وأمَّا قسمةُ الثِّمارِ على رؤوسِ الأشجارِ في المساقاةِ أو غيرها (¬٣)، فلا يصلُحُ عندَ أكثرِ العلماءِ، إلّا أنَّ لأصحابِنا في إجار قسمةِ ذلك اختلافًا سنذكُرُه عنهم وعمَّن سلَك سبيلَهم في ذلك بعدُ في هذا البابِ إن شاء اللهُ تعالى، وإنَّما لم يُجِزْ أكثرُ العلماءِ القسمةَ في ذلك إلّا كيلًا فيما يُكالُ، أو وزنًا فيما يُوزنُ؛ لنهْي رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- عن المُزابَنةِ، وعن بيع التَّمرِ بالتَّمرِ، إلّا مِثلًا بمثلٍ (¬٤).
وأمَّا حكايةُ قولِ أصحابِنا في ذلك، فكان ابنُ القاسم يقولُ، ويَرويه عن مالكٍ: لا يجوزُ مِن قسمةِ الثِّمارِ في رؤوسِ النخلِ إذا اختلفت حاجةُ الشَّريكين
---------------
(¬١) من قوله: "كالعبيد ... " إلى هنا، لم يرد في د ١.
(¬٢) من قوله: "إلّا أن أصحابنا" إلى هنا، لم يرد في د ١.
(¬٣) قوله: "في المساقاة وغيرها" لم يرد في د ١.
(¬٤) يُنظر ما سلف في شرح الحديث الثالث لداود بن الحصين عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد، وما سيأتي في الحديث الخامس من أحاديث عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان.

الصفحة 437