كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 4)

إلّا التَّمرُ والعنبُ فقط. وأمَّا الخوخُ، والرُّمَّانُ، والسَّفرجلُ، والقثَّاءُ، والبِطِّيخُ، وما أشبهَ ذلك مِن الفواكهِ التي يجوزُ فيها التَّفاضلُ يدًا بيدٍ، فإنَّه لم يُجِزْ مالكٌ اقتسامَه على التَّحرِّي (¬١). وكان يقولُ: المخاطَرةُ تدخُلُه حتى يتبيَّنَ فضلُ أحدِ النَّصيبينِ على صاحبِه. حكى ذلك ابنُ حبيبٍ، عن ابنِ القاسم. قال ابنُ حبيبٍ: وقال مطرِّفٌ، وابنُ الماجشونِ، وأشهبُ: ولا بأسَ باقتسامِه إذا تحرَّى وعَدَل، أو كان على التَّجاوزِ والرِّضا بالتفاضل. قال: وهو قولُ أصبغَ، وبه أقولُ؛ لأنَّ ما جاز فيه التفاضلُ، جازَتْ قسمَتُه بالتَّحَرِّي.
وذكر سحنونٌ، عن ابنِ القاسم، عن مالكٍ، أنّه سأله غيرَ مرَّةٍ عن قسمةِ الفواكهِ بالخرصِ، فأبى أنْ يُرخِّصَ في ذلك. قال: وذلك أنَّ بعضَ أصحابِنا ذكر انه سأل مالكًا عن قسمةِ الفواكهِ بالخرصِ، فأرخصَ فيه، فسألتُه عن ذلك، فأبى أنْ يرخِّصَ لي فيه. قال أشهبُ: سألتُ مالكا مراتٍ عن ثمرةِ النَّخلِ وغيرِها من الثِّمارِ تُقسَمُ بالخرص، فكلَّ ذلك يقولُ لي: إذا طابَتِ الثمرةُ مِن النَّخلِ وغيرِها، قُسِمَتْ بالخرصِ (¬٢). واختار هذه الرِّوايةَ يحيى بنُ عمرَ، قياسًا عن جوازِ بيع العرايا في غيرِ النَّخلِ والعنبِ، كما يجوزُ في النَّخلِ والعنبِ، ويجوزُ بيعُ ذلك كلِّه بخرصِه إلى الجدادِ. قال يحيى بنُ عمرَ: أشهبُ لا يشترِطُ في الثِّمارِ إلّا طيبَها، ثم يقسِمُها بينَ أربابِها بالخرصِ. ولا يلتفِتُ إلى اختلافِ حاجاتِهم، ورواه عن مالكٍ. قال: وابنُ القاسم يقولُ (¬٣): لا يجوزُ أنْ يُقسَمَ بينَهم بالخرص، إلّا أن يختلِفَ غرضُ كلِّ واحدٍ منهم، فيُريدَ أحدُهم أنْ يبيعَ، والآخرُ أنْ يُيَبِّس
---------------
(¬١) ينظر: التهذيب في اختصار المدوّنة ١/ ٤٧٤ (٦٥٣).
(¬٢) تنظر الرواية في ذلك عن مالك: البيان والتحصيل لابن رشد ١٢/ ١١٩، والذخيرة للقرافي ٦/ ٣٤٤.
(¬٣) كما في المدوّنة ٤/ ٢٦٩.

الصفحة 438