كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 4)

وقتِ ضربِها لا غيرُ، وهو قولُ أهلِ الظَّاهرِ. وأمَّا سائرُ الفقهاءِ فإنَّهم اعتبروا حالَها في وقتِ إلقائِها للجنينِ لا غيرُ. فإن ألقَته ميِّتًا وهي ميِّتة، فلا شيء فيه عندَهم، وإن ألقْتَه ميِّتًا وهي حيَّة ففيه الغرَّةُ، وأمَّا إذا ألقَته حيًّا وهي حيَّةٌ فقد ذكرنا حكمَه، وأنَّه لا خلافَ أنَّ فيه الدِّيةَ. واحتَجَّ أبو جعفرٍ الطحاويُّ على الليثِ بنِ سعدٍ لسائرِ الفقهاءِ بأن قال: قد أجمعوا والليثُ معهم، على أنّه لو ضُرِب بطنُها وهي حيَّةٌ، فماتت والجنينُ في بطنِها ولم يسقُطْ، أنّه لا شيءَ فيه ما لم يسقُطْ، فكذلك إذا أسقَطتْه بعدَ موتِها (¬١). قال أبو جعفرٍ (¬٢): ولا يختلِفون أيضًا أنّه لو ضُرِب بطنُ امرأةٍ ميِّتةٍ حاملٍ، فألقَت جنينًا ميِّتًا، أنّه لا شيء فيه، فكذلك إذا كان الضربُ في حياتِها، ثم ماتت، ثم ألقَته ميِّتًا. قال: فبطَل بذلك قولُ الليثِ.
واختلفوا في الذي تجبُ عليه الغُرَّةُ: فقال مالكٌ وأصحابُه: هي في مالِ الجاني. وهو قولُ الحسنِ بنِ حيٍّ (¬٣). ومن حجَّتِهم في ذلك روايةُ من روَى هذا الحديثَ: فقال الذي قُضِيَ عليه: كيفَ أغرمُ؟ وهذا يدلُّ على أنَّ الذي قُضِيَ عليه مُعين، وأنَّه واحدٌ، وهو الجاني، لا يُعطِي ظاهرُ هذا اللَّفظِ غيرَ هذا. ولو أنَّ ديةَ الجنينِ قُضِيَ بها على العاقلةِ لقال في الحديثِ: فقال الذين قضَى عليهم. وفي القياسِ أنَّ كلَّ جانٍ جنايتُه عليه، إلّا ما قام بخلافِه الدليلُ الذي لا مُعارِضَ له، مثلَ إجماع لا يجوزُ خلافُه، أو نَصٍّ، أو سُنَّةٍ مِن جهةِ نقلِ الآحادِ العُدولِ لا مُعارضَ لها، فيجِبُ الحُكْمُ بها. وقد قال اللهُ عزَّ وجلَّ: {وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ
---------------
(¬١) ينظر قول الطحاوي في ذلك وما نقله عن الليث وسائر فقهاء الأنصار في مختصر اختلاف العلماء ٥/ ١٧٥، ١٧٦.
(¬٢) في مختصر اختلاف العلماء له ٥/ ١٧٥.
(¬٣) ينظر: التهذيب في اختصار المدوّنة للقيرواني ٤/ ٥٧٥، ومختصر اختلاف العلماء ٥/ ١١٣، والمقدّمات الممهدات لابن رشد ٣/ ٢٩٨.

الصفحة 459