كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 4)

وهذا نصٌّ ثابتٌ صحيحٌ في موضع الخلافِ، يُوجبُ الحكمَ. ولما كانت ديةُ المرأةِ المضروبةِ على العاقلةِ، كان الجنينُ أحرَى بذلك في القياسِ والنظرِ.
وأجمع الفقهاءُ أنَّ الجنينَ إذا خرجَ حيًّا، ثم مات وكانت فيه الدِّيةُ، أنَّ فيه (¬١) الكفارةَ مع الدِّية. واختلفواها الكفارةِ إذا خرَج ميِّتًا.
فقال مالكٌ: فيه الغُرَّةُ والكفارةُ إذا خرَج ميِّتًا (¬٢).
وقال أبو حنيفةَ، والشافعيُّ: إن خرجَ حيًّا ففيه الكفارةُ والدِّيةُ، وإن خرَج ميِّتًا ففيه الغُرَّةُ، ولا كفَّارة. وهو قولُ داودَ بنِ عين (¬٣). وهذا على أُصولهم التي قدَّمنا ذكرَها أن تُلْقِيَه أُمُّه وهي حيَّةٌ.
واختلفوا في كيفيَّةِ ميراثِ الغُرَّةِ عن الجنينِ؛ فقال مالكٌ والشافعيُّ وأصحابُهما: الغُرَّةُ في الجنينِ موروثةٌ عن الجنينِ؛ لأنَّها ديَةٌ على كتابِ الله عزَّ وجلَّ. واحتجَّ الشافعيُّ في ذلك بقولِه في الحديثِ: كيف أغرَمُ مَن لا شرِب ولا أكل ولا استهل؟ قال: فالمضمونُ الجنينُ؛ لأن العُضوَ لا يُعترَضُ فيه بهذا (¬٤). وكان ابنُ هُرْمُزَ (¬٥) يقولُ: ديتُه لأبويه خاصَّة؛ لأبيه ثُلُثاها، ولأمه ثُلُثُها، من كان منهما حيًّا كان ذلك له، فإن كان أحدُهما قد مات كانت للباقي منهما؛ أبًا كان أو أُمًّا، لا يرثُ الإخوةُ منها شيئًا.
---------------
(¬١) قوله: "الدية، أن فيه" لم يرد في د ١.
(¬٢) ينظر: المدوّنة ٤/ ٦٣١، ومختصر اختلاف العلماء للطحاويّ ٥/ ١٧٥.
(¬٣) ينظر: الأصل المعروف بالمبسوط لمحمد بن الحسن الشيبانيّ ٤/ ٤٦٣، ٤٦٤، ومختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٥/ ١٧٤، ١٧٥.
(¬٤) ينظر: الأمّ للشافعي ٦/ ١١٦.
(¬٥) هو عبد الله بن يزيد بن هُرْمز، أبو بكر الأصمّ. وقيل: اسمه يزيد بن عبد الله بن هرمز. عِدادُه في التابعين. قال مالك: كنت أُحبُّ أن أقتديَ به. وكان قليل الفُتيا شديد التحفُّظ. (سير أعلام النبلاء ٦/ ٣٧٩ - ٣٨٠).

الصفحة 461