كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 4)

وقال أبو حنيفةَ وأصحابُه: الغُرَّةُ للأُمِّ، ليس لأحدٍ معها فيها شيءٌ، وليست ديةً، وإنَّما هي بمنزلةِ جناية جُني عليها بقطع عضوٍ من أعضائِها. وهو قولُ ربيعةَ بن أبي عبدِ الرحمن. ومن حجَّتِهم في أنّها ليست ديةً؛ لأنّه لم يُعتبر فيها: هل هو ذكرٌ أو أُنثى؟ كما يلزمُ في الدِّياتِ، فدلَّ على أنَّ ذلك كالعضو، ولهذا كانت ذكاةُ الشاةِ ذكاةً لما في بطنِها من الأجنَّةِ، ولولا ذلك كانت ميتَةً. وقولُ داودَ وأهلِ الظَّاهرِ في هذا كقول أبي حنيفةَ (¬١). واحتجَّ داودُ بأنَّ الغُرَّةَ لم يملِكْها الجنينُ فتُورَثَ عنه.
قال أبو عمر: تدخُلُ عليه ديةُ المقتولِ خطأً؛ هو لم يملِكْها، وهي توُرَثُ عنه. وقولُ مالكٍ والشافعيِّ في هذه المسألةِ أولى (¬٢). وبالله العصمةُ والهدى.
وقد استدلَّ قومٌ من أهلِ الحديثِ بأنَّ الحياةَ فيه لا تُعلَمُ إلّا بما ذُكِر مِن المعاني؛ وهي الأكلُ والشُّربُ، والاستهلالُ، والنُّطقُ؛ لقوله: كيفَ أغرمُ ما لا شرِب ولا أكَل، ولا نطَق ولا استهلّ؟ وقد يحتمِلُ أن يكونَ نزَع بهذه لأنَّها أسبابُ الحياةِ وعلاماتُها، فكلُّ ما عُلِمت به الحياةُ كان مثلَها.
وقد اختلَف الفقهاءُ في المولودِ لا يَستهِلُّ صارخًا، إلّا أنّه تحرَّكَ حينَ سقَط من بطنِ أمِّه وعطَس، ونحو ذلك، ولم ينطِقْ ولا صرَخ مُستهِلًّا؛ فقال بعضُهم: لا يصلَّى عليه، ولا يرثُ ولا يورَثُ، إلّا أن يستهِلَّ صارخًا. وممَّن قال ذلك؛ مالكٌ وأصحابُه (¬٣).
وقال آخرون: كلُّ ما عُرِفتْ به حياتُه فهو كالاستهلالِ والصُّراخ، ويُورَثُ
---------------
(¬١) ينظر: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٥/ ١٧٦.
(¬٢) قوله: "أولى" لم يرد في د ١.
(¬٣) ينظر: المدوّنة ١/ ٢٥٥.

الصفحة 462