كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 4)
قال أبو عمر: في هذا الحديثِ من الفقهِ: تركُ حَلْقِ شَعَرِ الرَّأسِ (¬١)، وحَبسُ الجُمَم (¬٢).
وفيه دليلٌ على أنَّ حبسَ الجُمَّةِ أفضلُ من الحَلْقِ؛ لأنَّ ما صنَعه رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- في خاصَّتِه أفضلُ ممَّا أقَرَّ الناسَ عليه ولم يَنهَهُم عنه؛ لأنّه في كلِّ أحوالِه في خاصةِ نفسِه، على أفضلِ الأمورِ وأكمَلِها وأرفَعِها، -صلى الله عليه وسلم-.
وفيه أيضًا من الفِقْهِ: أنَّ الفَرْقَ في الشَّعَرِ سُنَّهٌ، وأنه أولى منَ السَّدْلِ لأنه آخِرُ ما كان عليه رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-، وهذا الفَرْقُ لا يكونُ إلّا مع كثرةِ الشَّعَرِ وطُولِه.
والنَّاصِيَةُ: شَعَرُ مُقدَّم الرأسِ كُلِّه، وسَدْلُه: تركُه مُنْسدِلًا سائِلًا على هَيئَتِه، والتَّفرِيقُ: أنْ يَقْسِمَ شَعَرَ ناصيَتِه يمينًا وشِمالًا، فتَظهَرَ جَبهتُه وجَبِينُه من الجانبَيْن (¬٣)، والفَرْقُ سنةٌ مَسْنونةٌ، وقد قيل: إنّها من مِلَّةِ إبراهيمَ وسُنَّتِه -صلى الله عليه وسلم-.
ذكر الكلبيُّ، عن أبي صالح (¬٤)، عن ابنِ عباسٍ في قولِ الله عزَّ وجلَّ: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} [البقرة ة ١٢٤]. قال: الكَلِماتُ عشرُ خِصالٍ، خَمسٌ منها (¬٥) في الرأسِ، وخَمسٌ في الجَسَدِ؛ فأمَّا التي في الرأسِ: ففَرْقُ الشَّعَرِ، وقَصُّ الشَّارِبِ، والسِّواكُ، والمَضْمَضةُ، والاستنشاقُ. وأمَّا التي في البَدَنِ:
---------------
(¬١) في د ١: "الشعر"، والمثبت من ق، و ج.
(¬٢) الجُمَم: جمع جُمّة: وهي مجتمَع شعر الرأس إذا تدلّى منه إلى شَحمة الأُذن والمنكَبين. (تاج العروس مادة "جمجم").
(¬٣) في ق: "الناصيتين".
(¬٤) أبو صالح: هو باذام، مولى أُمِّ هانئ، وهو ضعيف مدلّس كما في التقريب (٦٣٦)، وينظر تفسير عبد الرزاق ١/ ٥٧، وجامع البيان لابن جرير الطبري ٢/ ٩ فيما أخرجاه بهذا المعنى من طرقٍ أخرى عن ابن عباس رضي الله عنهما أصحَّ من رواية الكلبي عن أبي صالح.
(¬٥) في د ١: "عشر خصال منهنّ".