كتاب تاريخ ابن خلدون (اسم الجزء: 4)

وأورثناكم أرضهم وديارهم بعد أن كانوا يلعنون أباك في أدبار كل صلاة مكتوبة كما يلعن الكفرة، فسفّهناهم وكفّرناهم وبيّنا فضله، وأشدنا بذكره فاتخذت ذلك علينا حجة، وظننت أنّا بما ذكرنا من فضل عليّ قدّمناه على حمزة والعبّاس وجعفر، كل أولئك مضوا سالمين مسلما منهم وابتلى أبوك بالدماء. ولقد علمت أنّ مآثرنا في الجاهلية سقاية الحجيج الأعظم، وولاية زمزم، وكانت للعبّاس من دون إخوته فنازعنا فيها أبوك إلى عمر فقضى لنا عمر بها، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلّم وليس من عمومته أحد حيّا إلّا العبّاس، وكان وارثه دون عبد المطلب، وطلب الخلافة غير واحد من بني هاشم فلم ينلها إلّا ولده فاجتمع للعبّاس أنه أبو رسول الله صلى الله عليه وسلّم خاتم الأنبياء، وبنوه القادة الخلفاء، فقد ذهب يفضل القديم والحديث ولولا أن العبّاس أخرج إلى بدر كرها لمات عمّاك طالب وعقيل جوعا أو يلحسان جفان عتبة وشيبة، فأذهب عنهما العار والشنار. ولقد جاء الإسلام والعبّاس يمون به طالب للأزمة التي أصابتهم، ثم فدّى عقيلا يوم بدر، فعززناكم في الكفر وفديناكم من الأسر وورثناه دونكم خاتم الأنبياء وأدركنا بثأركم إذ عجزتم عنه، ووضعناكم بحيث لم تضعوا أنفسكم والسلام. (ثم عقد) أبو جعفر على حربه لعيسى ابن عمّه موسى بن علي، فزحف إليه في العساكر، وقاتله بالمدينة فهزمه وقتله في منتصف رمضان سنة خمس وأربعين، ولحق ابنه عليّ بالسند إلى أن هلك هناك، واختفى ابنه الآخر عبد الله الأشتر إلى أن هلك في أخبار طويلة قد استوفيناها كلها في أخبار أبي جعفر المنصور، ورجع عيسى إلى المنصور فجهّزه لحرب إبراهيم أخي محمد بالعيرة فقاتله آخر ذي القعدة من تلك السنة فهزمه، وقتله حسبما مرّ ذكره لك، وقتل معه عيسى بن زيد بن عليّ فيمن قتل من أصحابه (وزعم ابن قتيبة) أنّ عيسى بن زيد ابن عليّ ثار على المنصور بعد قتل أبى مسلم، ولقيه. في مائة وعشرين ألفا، وقاتله أياما إلى أن همّ المنصور بالفرار، ثم أتيح له الظفر فانهزم عيسى ولحق بإبراهيم بن عبد الله بالبصرة فكان معه لك إلى أن لقيه عيسى بن موسى بن علي وقتلهما كما مر.
(ثم خرج بالمدينة أيام المهدي) سنة تسع وستين من بني حسن الحسين بن عليّ بن حسن المثلّث، وهو أخو عبد الله بن حسن المثنّى، وعمّ المهدي، وبويع للرضا من آل محمد وسار الى مكة، وكتب الهادي الى محمد بن سليمان بن علي وقد كان قدم حاجّا من البصرة فولّاه حربه يوم التروية، فقاتله بفجّة على ثلاثة أميال من مكة،

الصفحة 10