كتاب تاريخ ابن خلدون (اسم الجزء: 4)

عبد الله يروم الخروج وأنّ دعاته ظهروا بخراسان فحبس المنصور لذلك بني حسن وإخوته حسن وإبراهيم وجعفر، وعلي القائم وابنه موسى بن عبد الله وسليمان وعبد الله ابن أخيه داود، ومحمد وإسماعيل وإسحاق بنو عمّه إبراهيم بن الحسن في خمسة وأربعين من أكابرهم وحبسوا بقصر ابن هبيرة ظاهر الكوفة حتى هلكوا في حبسهم، وأرهبوا الطلب محمد بن عبد الله فخرج بالمدينة سنة خمس وأربعين وبعث أخاه إبراهيم إلى البصرة فغلب عليها، وعلى الأهواز وفارس، وبعث الحسن بن معاوية الى مكة فملكها، وبعث عاملا إلى اليمن، ودعا لنفسه، وخطب على منبر النبيّ صلى الله عليه وسلم وتسمّى بالمهديّ وكان يدعى النفس الزكيّة، وحبس رباح بن عثمان المرّيّ عامل المدينة، فبلغ الخبر الى أبي جعفر المنصور فأشفقوا من أمره وكتب إليه كتابه المشهور (ونصّه) بعد البسملة: من عبد الله أمير المؤمنين الى محمد بن عبد الله.
أما بعد فإنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتّلوا أو يصلّبوا أو تقطّع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم إلّا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أنّ الله غفور رحيم. وأنّ لك ذمة الله وعهده وميثاقه، إن تبت من قبل أن نقدر عليك أن نؤمّنك على نفسك وولدك وإخوتك ومن تابعك وجميع شيعتك، وأن أعطيك ألف ألف درهم، وأنزلك من البلاد حيث شئت، وأقضي لك ما شئت من الحاجات، وأن أطلق من سجن من أهل بيتك وشيعتك وأنصارك، ثم لا أتبع أحدا منكم بمكروه. وإن شئت أن تتوثّق لنفسك فوجّه إليّ من يأخذ لك من الميثاق والعهد والأمان ما أحببت والسلام. (فأجابه) محمد بن عبد الله بكتاب نصّه بعد البسملة: من عبد الله محمد المهدي أمير المؤمنين ابن عبد الله محمد. أمّا بعد طسم تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ نَتْلُوا عَلَيْكَ من نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ. إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا في الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ إِنَّهُ كانَ من الْمُفْسِدِينَ، وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا في الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ في الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ 28: 1- 6، وأنا أعرض عليك من الأمان مثل الّذي أعطيتني فقد تعلم أنّ الحقّ حقّنا وأنّكم إنّما أعطيتموه بنا، ونهضتم فيه بسعينا وحزتموه بفضلنا، وأنّ أبانا عليّا عليه السلام، كان الوصيّ والإمام فكيف ورثتموه دوننا ونحن أحياء!

الصفحة 7