كتاب تاريخ ابن خلدون (اسم الجزء: 4)

وقد علمتم أنه ليس أحد من بني هاشم يشدّ بمثل فضلنا، ولا يفخر بمثل قديمنا وحديثنا ونسبنا ونسيبنا، وإنّا بنو بنته فاطمة في الإسلام من بينكم فإنّا أوسط بني هاشم نسبا وخيرهم أمّا وأبا، لم تلدني العجم ولم تعرف في أمّهات الأولاد، وأنّ الله عزّ وجلّ لم يزل يختار لنا، فولدني من النبيّين أفضلهم محمد صلى الله عليه وسلم، ومن أصحابه أقدمهم إسلاما وأوسعهم علما وأكثرهم جهادا عليّ بن أبي طالب، ومن نسائه أفضلهنّ خديجة بنت خويلد أوّل من آمن باللَّه وصلى إلى القبلة، ومن بناته أفضلهن وسيدة نساء أهل الجنة، ومن المتولدين في الإسلام سيّدا شباب أهل الجنة، ثم قد علمت أن هاشما ولد عليّا مرتين من قبل جدّي الحسن والحسين فما زال الله يختار لي حتى اختار لي في معنى النار، فولدني أرفع الناس درجة في الجنّة وأهون أهل النار عذابا يوم القيامة، فأنا ابن خير الأخيار وابن خير الأشرار وابن خير أهل الجنّة وابن خير أهل النار. ولك عهد الله إن دخلت في بيعتي أن أؤمّنك على نفسك وولدك، وكل ما أصبته إلّا حدّا من حدود الله أو حقّا لمسلم أو معاهد فقد علمت ما يلزمك في ذلك فأنا أوفى بالعهد منك وأحرى بقبول الأمان منك. فأمّا أمانك الّذي عرضت عليّ فهو أيّ الأمانات هي؟ أأمان ابن هبيرة أم أمان عمّك عبد الله بن عليّ أم أمان أبي مسلم؟ والسلام. (فأجابه المنصور) بعد البسملة: من عبد الله أمير المؤمنين إلى محمد بن عبد الله! فقد أتاني كتابك وبلغني كلامك، فإذا جلّ فخرك بالنساء لتضلّ به الحفاة والغوغاء، ولم يجعل الله النساء كالعمومة، ولا الآباء كالعصبة والأولياء، وقد جعل الله العمّ أبا وبدأ به على الولد فقال جلّ ثناؤه عن نبيّه عليه السلام: واتّبعت ملّة آبائي إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب. ولقد علمت أنّ الله تبارك وتعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم وعمومته أربعة، فأجابه اثنان أحدهما أبي وكفر به اثنان أحدهما أبوك. وأمّا ما ذكرت من النساء وقراباتهنّ فلو أعطى على قرب الأنساب وحق الأحساب لكان الخير كلّه لآمنة بنت وهب، ولكنّ الله يختار لدينه من يشاء من خلقه. وأمّا ما ذكرت من فاطمة أمّ أبي طالب فإنّ الله لم يهد أحدا من ولدها إلى الإسلام، ولو فعل لكان عبد الله بن عبد المطلب أولاهم بكل خير في الآخرة والأولى، وأسعدهم بدخول الجنّة غدا. ولكن الله أبى ذلك فقال: إِنَّكَ لا تَهْدِي من أَحْبَبْتَ، وَلكِنَّ الله يَهْدِي من يَشاءُ 28: 56. وأمّا ما ذكرت من فاطمة بنت أسد أمّ علي بن أبي طالب، وفاطمة أمّ الحسين وأنّ هاشما ولد عليّا

الصفحة 8