كتاب تاريخ ابن خلدون (اسم الجزء: 4)

مرّتين، وأنّ عبد المطلب ولد الحسن مرّتين، فخير الأوّلين رسول الله صلى الله عليه وسلّم، لم يلده هاشم إلّا مرّة واحدة، ولم يلده عبد المطلب إلّا مرّة واحدة. وأما ما ذكرت من أنك ابن رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فإنّ الله عزّ وجلّ قد أبى ذلك فقال: ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ من رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ الله وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ، 33: 40 ولكنكم قرابة ابنته وأنها لقرابة قريبة، غير أنها امرأة لا تحوز الميراث، ولا يجوز أن تؤمّ فكيف تورث الإمامة من قبلها ولقد طلب بها أبوك من كل وجه، وأخرجها تخاصم، ومرضها سرا ودفنها ليلا، وأبى الناس إلا تقديم الشيخين، ولقد حضر أبوك وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلّم فأمر بالصلاة غيره. ثم أخذ الناس رجلا رجلا فلم يأخذوا أباك فيهم. ثم كان في أصحاب الشورى، فكل دفعه عنها، بايع عبد الرحمن عثمان، وقبلها عثمان، وحارب أباك طلحة والزبير، ودعا سعدا إلى بيعته فأغلق بابه دونه. ثم بايع معاوية بعده، وأفضى أمر جدّك إلى أبيك الحسن، فسلّمه إلى معاوية بخزف ودراهم، وأسلم في يديه شيعته، وخرج إلى المدينة فدفع الأمر إلى غير أهله، وأخذ مالا من غير حلّه، فإن كان لكم فيها شيء فقد بعتموه. فأمّا قولك إنّ الله اختار لك في الكفر فجعل أباك أهون أهل النار عذابا فليس في الشر خيار، ولا من عذاب الله هيّن، ولا ينبغي لمسلم يؤمن باللَّه واليوم الآخر أن يفتخر بالنار، ستردّ فتعلم، وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون. وأمّا قولك لم تلدك العجم ولم تعرف فيك أمهات الأولاد، وأنك أوسط بني هاشم نسبا وخيرهم أما وأبا، فقد رأيتك فخرت على بني هاشم طرّا وقدّمت نفسك على من هو خير منك أوّلا وآخرا وأصلا وفصلا، فخرت على إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وعلى والد والده، فانظر ويحك أين تكون من الله غدا وما ولد قبلكم مولود بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلّم أفضل من عليّ بن الحسين، وهو لأم ولد، ولقد كان خيرا من جدّك حسن بن حسن. ثم ابنه محمد خير من أبيك، وجدته أم ولد، ثم ابنه جعفر وهو خير، ولقد علمت أنّ جدّك عليّا حكّم الحكمين وأعطاهما عهده وميثاقه على الرضا بما حكما به، فأجمعا على خلعه. ثم خرج عمّك الحسين بن علي بن مرجانة فكان الناس الذين معه عليه حتى قتلوه، ثم أتوا بكم على الأقتاب كالسبي المجلوب إلى الشام، ثم خرج منكم غير واحد فقتلكم بنو أمية وحرّقوكم بالنار وصلبوكم على جذوع النخل حتى خرجنا عليهم فأدركنا يسيركم إذ لم تدركوه، ورفعنا أقداركم

الصفحة 9