كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 4)

(قَوْلُهُ بَابُ النَّحْرِ قَبْلَ الْحَلْقِ فِي الْحَصْرِ)
ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ الْمِسْوَرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحَرَ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ وَهَذَا طَرَفٌ مِنَ الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الشُّرُوطِ مِنَ الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ هُنَا وَلَفْظُهُ فِي أَوَاخِرِ الْحَدِيثِ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قَضِيَّةِ الْكِتَابِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ قُومُوا فَانْحَرُوا ثُمَّ احْلِقُوا فَذَكَرَ بَقِيَّةَ الْحَدِيثِ وَفِيهِ قَوْلُ أُمِّ سَلَمَةَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْرُجْ ثُمَّ لَا تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ فَخَرَجَ فَنَحَرَ بُدْنَهُ وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ وَعُرِفَ بِهَذَا أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَوْرَدَ الْقَدْرَ الْمَذْكُورَ هُنَا بِالْمَعْنَى وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ فِي التَّرْجَمَةِ فِي الْحَصْرِ إِلَى أَنَّ هَذَا التَّرْتِيبَ يَخْتَصُّ بِحَالِ مَنْ أُحْصِرَ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ فِي بَاب إِذا رمى بعد مَا أَمْسَى أَو حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ وَلَمْ يَتَعَرَّضِ الْمُصَنِّفُ لِمَا يَجِبُ عَلَى مَنْ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ ينْحَر وَقد روى بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ عَلَيْهِ دَمٌ قَالَ إِبْرَاهِيمُ وحَدثني سعيد بن جُبَير عَن بن عَبَّاس مثله ثمَّ أورد المُصَنّف حَدِيث بن عُمَرَ الْمَاضِي قَبْلُ بِبَابٍ مُخْتَصَرًا وَفِيهِ فَنَحَرَ بُدْنَهُ وَحَلَقَ رَأْسَهُ وَقَدْ أَوْرَدَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَدْرٍ شُجَاعِ بْنِ الْوَلِيدِ وَهُوَ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ بِإِسْنَادِهِ الْمَذْكُورِ وَلَفْظُهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ كَلَّمَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ لَيَالِيَ نَزَلَ الْحَجَّاجُ بِابْنِ الزُّبَيْرِ وَقَالَا لَا يَضُرُّكَ أَنْ لَا تَحُجَّ الْعَامَ إِنَّا نَخَافُ أَنْ يُحَالَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْبَيْتِ فَقَالَ خَرَجْنَا فَذَكَرَ مِثْلَ سِيَاقِ الْبُخَارِيِّ وَزَادَ فِي آخِرِهِ ثُمَّ رَجَعَ وَكَذَا سَاقَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَدْرٍ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرِ الْقِصَّةَ الَّتِي فِي أَوَّلِهِ وَسَاقَهُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ أَبِي بَدْرٍ أَيْضًا فَقَالَ فِيهَا عَن بن عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ إِنْ حِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَ الْبَيْتِ فَعَلْتُ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مَعَهُ فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ الحَدِيث قَالَ بن التَّيْمِيِّ ذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى أَنَّهُ لَا هَدْيَ عَلَى الْمُحْصَرِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثُ لِأَنَّهُ نُقِلَ فِيهِ حُكْمٌ وَسَبَبٌ فَالسَّبَبُ الْحَصْرُ وَالْحُكْمُ النَّحْرُ فَاقْتَضَى الظَّاهِرُ تَعَلُّقَ الْحُكْمِ بِذَلِكَ السَّبَبِ وَالله أعلم

الصفحة 10