كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 4)

(قَوْلُهُ بَابٌ الْحِجَامَةُ وَالْقَيْءُ لِلصَّائِمِ)
أَيْ هَلْ يُفْسِدَانِ هُمَا أَوْ أَحَدُهُمَا الصَّوْمَ أَوْ لَا قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ جَمَعَ بَيْنَ الْقَيْءِ وَالْحِجَامَةِ مَعَ تَغَايُرِهِمَا وَعَادَتُهُ تَفْرِيقُ التَّرَاجِمِ إِذَا نَظَمَهَا خَبَرٌ وَاحِدٌ فَضْلًا عَنْ خَبَرَيْنِ وَإِنَّمَا صَنَعَ ذَلِكَ لِاتِّحَادِ مَأْخَذِهِمَا لِأَنَّهُمَا إِخْرَاجٌ وَالْإِخْرَاجُ لَا يقتضى الْإِفْطَار وَقد أوما بن عَبَّاسٍ إِلَى ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ وَلَمْ يَذْكُرِ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ إِيرَادَهُ لِلْآثَارِ الْمَذْكُورَةِ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ يَرَى عَدَمَ الْإِفْطَارِ بِهِمَا وَلِذَلِكَ عَقَّبَ حَدِيثَ أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ بِحَدِيثِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَمَّا الْقَيْءُ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ مَنْ سَبَقَهُ فَلَا يُفْطِرُ وَبَيْنَ مَنْ تَعَمَّدَهُ فيفطر وَنقل بن الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى بُطْلَانِ الصَّوْمِ بِتَعَمُّدِ الْقَيْءِ لَكِن نقل بن بطال عَن بن عَبَّاس وبن مَسْعُودٍ لَا يُفْطِرُ مُطْلَقًا وَهِيَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ وَاسْتَدَلَّ الْأَبْهَرِيُّ بِإِسْقَاطِ الْقَضَاءِ عَمَّنْ تَقَيَّأَ عَمْدًا بِأَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَهُمْ قَالَ فَلَوْ وَجَبَ الْقَضَاءُ لَوَجَبَتِ الْكَفَّارَةُ وَعَكَسَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ هَذَا يَدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِ الْكَفَّارَةِ بِالْجِمَاعِ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْمُفْطِرَاتِ وَارْتَكَبَ عَطَاءٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ فَقَالُوا يَقْضِي وَيكفر وَنقل بن الْمُنْذِرِ أَيْضًا الْإِجْمَاعَ عَلَى تَرْكِ الْقَضَاءِ عَلَى مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ وَلَمْ يَتَعَمَّدْهُ إِلَّا فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنِ الْحَسَنِ وَأَمَّا الْحِجَامَةُ فَالْجُمْهُورُ أَيْضًا عَلَى عَدَمِ الْفِطْرِ بِهَا مُطْلَقًا وَعَنْ عَلِيٍّ وَعَطَاءٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ يُفْطِرُ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ وَأَوْجَبُوا عَلَيْهِمَا الْقَضَاءَ وَشَذَّ عَطَاءٌ فَأَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ أَيْضًا وَقَالَ بِقَوْلِ أَحْمَدَ من الشَّافِعِيَّة بن خُزَيْمَة وبن الْمُنْذر وَأَبُو الْوَلِيد النَّيْسَابُورِي وبن حبَان وَنقل التِّرْمِذِيُّ عَنِ الزَّعْفَرَانِيِّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ عَلَّقَ الْقَوْلَ عَلَى صِحَّةِ الْحَدِيثِ وَبِذَلِكَ قَالَ الدَّاوُدِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَحُجَّةُ الْفَرِيقَيْنِ قَدْ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْبَابِ وَسَنَذْكُرُ الْبَحْثَ فِي ذَلِكَ فِي آخِرِ الْبَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ وَقَالَ

الصفحة 174