كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 4)

(قَوْلُهُ بَابٌ مَتَى يُقْضَى قَضَاءُ رَمَضَانَ)
أَيْ مَتَى تُصَامُ الْأَيَّامُ الَّتِي تُقْضَى عَنْ فَوَاتِ رَمَضَانَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ قَضَاءَ الْقَضَاءِ عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ وَمُرَادُ الِاسْتِفْهَامِ هَلْ يَتَعَيَّنُ قَضَاؤُهُ مُتَتَابِعًا أَوْ يَجُوزُ مُتَفَرِّقًا وَهَلْ يَتَعَيَّنُ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ يَجُوزُ عَلَى التَّرَاخِي قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ جَعَلَ الْمُصَنِّفُ التَّرْجَمَةَ اسْتِفْهَامًا لِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ لِأَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ تَعَالَى فَعِدَّةٌ من أَيَّام اخر يَقْتَضِي التَّفْرِيقَ لِصِدْقِ أَيَّامٍ أُخَرَ سَوَاءٌ كَانَتْ مُتَتَابِعَةً أَوْ مُتَفَرِّقَةً وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي التَّتَابُعَ إِلْحَاقًا لِصِفَةِ الْقَضَاءِ بِصِفَةِ الْأَدَاءِ وَظَاهِرُ صَنِيعِ عَائِشَةَ يَقْتَضِي إِيثَارَ الْمُبَادَرَةِ إِلَى الْقَضَاءِ لَوْلَا مَا مَنَعَهَا مِنَ الشُّغْلِ فَيُشْعِرُ بِأَنَّ مَنْ كَانَ بِغَيْرِ عُذْرٍ لَا يَنْبَغِي لَهُ التَّأْخِيرُ قُلْتُ ظَاهِرُ صَنِيعِ الْبُخَارِيِّ يَقْتَضِي جَوَازَ التَّرَاخِي وَالتَّفْرِيقِ لِمَا أَوْدَعَهُ فِي التَّرْجَمَةِ مِنَ الْآثَارِ كَعَادَتِهِ وَهُوَ قَول الْجُمْهُور وَنقل بن الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ عَنْ عَلِيٍّ وَعَائِشَةَ وُجُوبَ التَّتَابُعِ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاق بِسَنَدِهِ عَن بن عُمَرَ قَالَ يَقْضِيهِ تِبَاعًا وَعَنْ عَائِشَةَ نَزَلَتْ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ مُتَتَابِعَاتٍ فَسَقَطَتْ مُتَتَابِعَاتٍ وَفِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهَا قِرَاءَةُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَهَذَا إِنْ صَحَّ يُشْعِرُ بِعَدَمِ وُجُوبِ التَّتَابُعِ فَكَأَنَّهُ كَانَ أَوَّلًا وَاجِبًا ثُمَّ نُسِخَ وَلَا يَخْتَلِفُ الْمُجِيزُونَ لِلتَّفْرِيقِ أَنَّ التَّتَابُعَ أَوْلَى قَوْلُهُ وَقَالَ بن عَبَّاسٍ لَا بَأْسَ أَنْ يُفَرَّقَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فَعدَّة من أَيَّام اخر وَصله مَالك عَن الزُّهْرِيّ أَن بن عَبَّاسٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ اخْتَلَفَا فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ فَقَالَ أَحَدُهُمَا يُفَرَّقُ وَقَالَ الْآخَرُ لَا يُفَرَّقُ هَكَذَا أَخْرَجَهُ مُنْقَطِعًا مُبْهَمًا وَوَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مُعَيَّنًا عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ بن عَبَّاسٍ فِيمَنْ عَلَيْهِ قَضَاءٌ مِنْ رَمَضَانَ قَالَ يَقْضِيهِ مُفَرَّقًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّام اخر وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مَعْمَرٍ بِسَنَدِهِ قَالَ صُمْهُ كَيْفَ شِئْتَ وَرُوِّينَاهُ فِي فَوَائِدِ أَحْمَدَ بْنِ شَبِيبٍ مِنْ رِوَايَتِهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِلَفْظِ لَا يَضُرُّكَ كَيْفَ قَضَيْتَهَا إِنَّمَا هِيَ عِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ فَأَحْصِهِ وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ بن جريج عَن عَطاء أَن بن عَبَّاسٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ قَالَا فَرِّقْهُ إِذَا أَحْصَيْتَهُ وروى بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة نَحْو قَول بن عُمَرَ وَكَأَنَّهُ اخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وروى بن أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ إِذَا أَحْصَى الْعِدَّةَ فَلْيَصُمْ كَيْفَ شَاءَ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجِرَاحِ وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ نَحْوُهُ وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَنَسٍ نَحْوَهُ قَوْلُهُ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ فِي صَوْمِ الْعَشْرِ لَا يَصْلُحُ حَتَّى يبْدَأ برمضان وَصله بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ نَحْوَهُ وَلَفْظُهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَقْضِيَ رَمَضَانَ فِي الْعَشْرِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ جَوَازُ التَّطَوُّعِ بِالصَّوْمِ لِمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مِنْ رَمَضَانَ إِلَّا أَنَّ الْأَوْلَى لَهُ أَنْ يَصُومَ الدَّيْنَ أَوَّلًا لِقَوْلِهِ لَا يَصْلُحُ فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْإِرْشَادِ إِلَى الْبُدَاءَةِ بِالْأَهَمِّ وَالْآكَدِ وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهُ إِنَّ عَلَيَّ أَيَّامًا مِنْ رَمَضَانَ أَفَأَصُومُ الْعَشْرَ تَطَوُّعًا قَالَ لَا ابْدَأْ بِحَقِّ اللَّهِ ثُمَّ تَطَوَّعْ مَا شِئْتَ وَعَنْ عَائِشَة نَحوه وروى بن الْمُنْذِرِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ نَهَى عَنْ قَضَاءِ رَمَضَانَ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ قَالَ وَرُوِيَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ نَحْوُهُ عَنِ الْحَسَنِ وَالزُّهْرِيِّ وَلَيْسَ مَعَ أَحَدٍ مِنْهُمْ حُجَّةٌ عَلَى ذَلِك وروى بن أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَحِبُّ ذَلِكَ

الصفحة 189