كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 4)
(قَوْلُهُ بَابُ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ)
أَيْ هَلْ يُشْرَعُ قَضَاؤُهُ عَنْهُ أَمْ لَا وَإِذَا شُرِعَ هَلْ يَخْتَصُّ بِصِيَامٍ دُونَ صِيَامٍ أَوْ يَعُمُّ كُلَّ صِيَامٍ وَهَلْ يَتَعَيَّنُ الصَّوْمُ أَوْ يُجْزِئُ الْإِطْعَامُ وَهَلْ يَخْتَصُّ الْوَلِيُّ بِذَلِكَ أَوْ يَصِحُّ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ وَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ مَشْهُورٌ لِلْعُلَمَاءِ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ قَوْلُهُ وَقَالَ الْحَسَنُ إِنْ صَامَ عَنْهُ ثَلَاثُونَ رَجُلًا يَوْمًا وَاحِدًا جَازَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ وَالْمُرَادُ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرٍ وَهَذَا الْأَثَرُ وَصَلَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِ الذَّبْحِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَامِرٍ وَهُوَ الضُّبَعِيُّ عَنْ أَشْعَثَ عَنِ الْحَسَنِ فِيمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَجُمِعَ لَهُ ثَلَاثُونَ رَجُلًا فَصَامُوا عَنْهُ يَوْمًا وَاحِدًا أَجْزَأَ عَنْهُ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَمْ أَرَ فِيهَا نَقْلًا فِي الْمَذْهَبِ وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ الْإِجْزَاءُ قُلْتُ لَكِنَّ الْجَوَازَ مُقَيَّدٌ بِصَوْمٍ لَمْ يَجِبْ فِيهِ التَّتَابُعُ لِفَقْدِ التَّتَابُعِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ
[1952] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن خَالِد أَي بن خَلِيٍّ بِمُعْجَمَةٍ وَزْنُ عَلِيٍّ كَمَا جَزَمَ بِهِ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ وَجَزَمَ الْجَوْزَقِيُّ بِأَنَّهُ الذُّهْلِيُّ فَإِنَّهُ أَخْرَجَهُ عَنْ أَبِي حَامِدِ بْنِ الشَّرْقِيِّ عَنْهُ وَقَالَ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ أَيْن يَحْيَى وَبِذَلِكَ جَزَمَ الْكَلَابَاذِيُّ وَصَنِيعُ الْمِزِّيِّ يُوَافِقُهُ وَهُوَ الرَّاجِحُ وَعَلَى هَذَا فَقَدْ نَسَبَهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا إِلَى جَدِّ أَبِيهِ لِأَنَّهُ مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ وَشَيْخَهُ مُحَمَّدَ بْنَ مُوسَى بْنِ أَعْيَنَ أَدْرَكَهُ الْبُخَارِيُّ لَكِنَّهُ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ إِلَّا بِوَاسِطَةٍ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَلْقَهُ وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ هُوَ الْمِصْرِيُّ قَوْلُهُ مَنْ مَاتَ عَامٌّ فِي الْمُكَلَّفِينَ لِقَرِينَةٍ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ وَقَوْلُهُ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ تَقْدِيرُهُ فَلْيَصُمْ عَنْهُ وَلِيُّهُ وَلَيْسَ هَذَا الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَبَالَغَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَمَنْ تَبِعَهُ فَادَّعَوُا الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الظَّاهِرِ أَوْجَبَهُ فَلَعَلَّهُ لَمْ يَعْتَدَّ بِخِلَافِهِمْ عَلَى قَاعِدَتِهِ وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَأَجَازَ الصِّيَامَ عَنِ الْمَيِّتِ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ وَعَلَّقَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ الْقَوْلَ بِهِ عَلَى صِحَّةِ الْحَدِيثِ كَمَا نَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ مُحَدِّثِي الشَّافِعِيَّةِ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ثَابِتَةٌ لَا أَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي صِحَّتِهَا فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهَا ثُمَّ سَاقَ بِسَنَدِهِ إِلَى الشَّافِعِيِّ قَالَ كُلُّ مَا قُلْتُ وَصَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلَافُهُ فَخُذُوا بِالْحَدِيثِ وَلَا تُقَلِّدُونِي وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يُصَامُ عَنِ الْمَيِّتِ وَقَالَ اللَّيْثُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو عُبَيْدٍ لَا يُصَامُ عَنْهُ إِلَّا النَّذْرُ حَمْلًا لِلْعُمُومِ الَّذِي فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي حَدِيثِ بن عَبَّاسٍ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا تَعَارُضٌ حَتَّى يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا فَحَدِيث بن عَبَّاسٍ صُورَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ سَأَلَ عَنْهَا مَنْ وَقَعَتْ لَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَهُوَ تَقْرِيرُ قَاعِدَةٍ عَامَّة وَقد وَقعت الْإِشَارَة فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ إِلَى نَحْوِ هَذَا
الصفحة 193