كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 4)

حَالِ الصَّحْوِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَحَفِظَ أَحَدُ الرَّاوِيَيْنِ مَا لَمْ يَحْفَظِ الآخر وَإِنَّمَا ذكر الإقبال والادبار مَعًا لَا مَكَان وُجُودِ أَحَدِهِمَا مَعَ عَدَمِ تَحَقُّقِ الْغُرُوبِ قَالَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَقَالَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ الظَّاهِرُ الِاكْتِفَاءُ بِأَحَدِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّهُ يُعْرَفُ انْقِضَاءُ النَّهَار بِأَحَدِهِمَا وَيُؤَيِّدهُ الِاقْتِصَار فِي رِوَايَة بن أَبِي أَوْفَى عَلَى إِقْبَالِ اللَّيْلِ قَوْلُهُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ أَيْ دَخَلَ فِي وَقْتِ الْفِطْرِ كَمَا يُقَالُ أَنْجَدَ إِذَا أَقَامَ بِنَجْدٍ وَأَتْهَمَ إِذَا أَقَامَ بِتِهَامَةَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ فَقَدْ صَارَ مُفْطِرًا فِي الْحُكْمِ لِكَوْنِ اللَّيْلِ لَيْسَ ظرفا للصيام الشرعى وَقد رد بن خُزَيْمَةَ هَذَا الِاحْتِمَالَ وَأَوْمَأَ إِلَى تَرْجِيحِ الْأَوَّلِ فَقَالَ قَوْلُهُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ لَفْظُ خَبَرٍ وَمَعْنَاهُ الْأَمْرُ أَيْ فَلْيُفْطِرِ الصَّائِمُ وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ فَقَدْ صَارَ مُفْطِرًا كَانَ فِطْرُ جَمِيعِ الصُّوَّامِ وَاحِدًا وَلَمْ يَكُنْ لِلتَّرْغِيبِ فِي تَعْجِيلِ الْإِفْطَارِ مَعْنًى اه وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ فِعْلُ الْإِفْطَارِ حِسًّا لِيُوَافِقَ الْأَمْرَ الشَّرْعِيَّ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَوَّلَ أَرْجَحُ وَلَوْ كَانَ الثَّانِي مُعْتَمِدًا لَكَانَ مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يُفْطِرَ فَصَامَ فَدَخَلَ اللَّيْلُ حَنِثَ بِمُجَرَّدِ دُخُولِهِ وَلَوْ لَمْ يَتَنَاوَلْ شَيْئًا وَيُمْكِنُ الِانْفِصَالُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ وَبِذَلِكَ أَفْتَى الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ بِعَيْنِهَا وَمِثْلُ هَذَا لَوْ قَالَ إِنْ أَفْطَرْتُ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَصَادَفَ يَوْمَ الْعِيدِ لَمْ تُطَلَّقْ حَتَّى يَتَنَاوَلَ مَا يُفْطِرُ بِهِ وَقَدِ ارْتَكَبَ بَعْضُهُمُ الشَّطَطَ فَقَالَ يَحْنَثُ وَيُرَجِّحُ الْأَوَّلَ أَيْضًا رِوَايَةُ شُعْبَةَ أَيْضًا بِلَفْظِ فَقَدْ حَلَّ الْإِفْطَارُ وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ الثَّوْرِيِّ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ وَسَيَأْتِي لِذَلِكَ مَزِيدُ بَيَانٍ فِي بَاب الْوِصَال بعد ثَلَاثَة أَبْوَاب الحَدِيث الثَّانِي حَدِيث أبن أبي أوفى

[1955] قَوْله حَدثنَا خَالِد هُوَ بن عَبْدِ اللَّهِ الْوَاسِطِيُّ وَالشَّيْبَانِيُّ هُوَ أَبُو إِسْحَاقَ قَوْلُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى سَيَأْتِي فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَن أبي إِسْحَاق سَمِعت بن أَبِي أَوْفَى قَوْلُهُ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ هَذَا السَّفَرُ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ سَفَرَ غَزْوَةِ الْفَتْحِ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ هُشَيْمٍ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ سَفَرَهُ فِي رَمَضَانَ مُنْحَصِرٌ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ وَغَزْوَةِ الْفَتْحِ فَإِنْ ثَبَتَ فَلَمْ يشْهد بن أَبِي أَوْفَى بَدْرًا فَتَعَيَّنَتْ غَزْوَةُ الْفَتْحِ قَوْلُهُ فَلَمَّا غَابَتِ الشَّمْسُ فِي رِوَايَةِ الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ فَلَمَّا غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَهِيَ تُفِيدُ مَعْنًى أَزِيدَ مِنْ مَعْنَى غَابَتْ قَوْلُهُ قَالَ لِبَعْضِ الْقَوْمِ يَا فُلَانُ فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ عِنْدَ أَحْمَدَ فَدَعَا صَاحِبَ شَرَابِهِ بِشَرَابٍ فَقَالَ لَوْ أَمْسَيْتُ وَسَأَذْكُرُ مَنْ سَمَّاهُ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ قَوْلُهُ فَاجْدَحْ بِالْجِيمِ ثُمَّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْجَدْحُ تَحْرِيكُ السَّوِيقِ وَنَحْوِهِ بِالْمَاءِ بِعُودٍ يُقَالُ لَهُ الْمِجْدَحُ مُجَنَّحُ الرَّأْسِ وَزَعَمَ الدَّاوُدِيُّ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ اجْدَحْ لِي أَيْ احْلِبْ وَغَلَّطُوهُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ إِنَّ عَلَيْكَ نَهَارًا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَذْكُورُ كَانَ يَرَى كَثْرَةَ الضَّوْءِ مِنْ شِدَّةِ الصَّحْوِ فَيَظُنُّ أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَغْرُبْ وَيَقُولُ لَعَلَّهَا غَطَّاهَا شَيْءٌ مِنْ جَبَلٍ وَنَحْوِهِ أَوْ كَانَ هُنَاكَ غَيْمٌ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ غُرُوبُ الشَّمْسِ وَأَمَّا قَوْلُ الرَّاوِي وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ فَإِخْبَارٌ مِنْهُ بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَإِلَّا فَلَوْ تَحَقَّقَ الصَّحَابِيُّ أَنَّ الشَّمْسَ غَرَبَتْ مَا تَوَقَّفَ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مُعَانِدًا وَإِنَّمَا تَوَقَّفَ احْتِيَاطًا وَاسْتِكْشَافًا عَنْ حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا جَوَازُ الِاسْتِفْسَارِ عَنِ الظَّوَاهِرِ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَكُونَ الْمُرَادُ إِمْرَارَهَا عَلَى ظَاهِرِهَا وَكَأَنَّهُ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ تَقْرِيرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّحَابِيَّ عَلَى تَرْكِ الْمُبَادَرَةِ إِلَى الِامْتِثَالِ وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا اسْتِحْبَابُ تَعْجِيلِ الْفِطْرِ وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ إِمْسَاكُ جُزْءٍ مِنَ اللَّيْلِ مُطْلَقًا بَلْ مَتَى تَحَقَّقَ غُرُوبُ الشَّمْسِ حَلَّ الْفِطْرُ وَفِيهِ تَذَكُّرُ الْعَالِمِ بِمَا يُخْشَى أَنْ يَكُونَ نَسِيَهُ وَتَرْكُ الْمُرَاجَعَةِ لَهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَاتُ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ فِي ذَلِكَ فَأَكْثَرُ مَا وَقع فِيهَا أَن الْمُرَاجَعَة وَقعت ثَلَاثًا وَفِي بَعْضِهَا مَرَّتَيْنِ وَفِي بَعْضِهَا مَرَّةً

الصفحة 197