كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 4)

عَلَى أَنْوَاعِ الطَّاعَةِ مِنْ غَيْرِ ضَعْفٍ فِي الْقُوَّةِ وَلَا كَلَالٍ فِي الْإِحْسَاسِ أَوِ الْمَعْنَى إِنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ فِيهِ مِنَ الشِّبَعِ وَالرِّيِّ مَا يُغْنِيه عَن الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَلَا يُحِسُّ بِجُوعٍ وَلَا عَطَشٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَوَّلِ أَنَّهُ عَلَى الْأَوَّلِ يُعْطي الْقُوَّة من غير شبع ولارى مَعَ الْجُوعِ وَالظَّمَأِ وَعَلَى الثَّانِي يُعْطَى الْقُوَّةَ مَعَ الشِّبَعِ وَالرِّيِّ وَرُجِّحَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الثَّانِي يُنَافِي حَالَ الصَّائِمِ وَيُفَوِّتُ الْمَقْصُودَ مِنَ الصِّيَامِ وَالْوِصَالِ لِأَنَّ الْجُوعَ هُوَ رُوحُ هَذِهِ الْعِبَادَةِ بِخُصُوصِهَا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَيُبْعِدُهُ أَيْضًا النَّظَرُ إِلَى حَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ كَانَ يَجُوعُ أَكْثَرَ مِمَّا يَشْبَعُ وَيَرْبِطُ عَلَى بَطْنِهِ الْحِجَارَة من الْجُوع قلت وَتمسك بن حِبَّانَ بِظَاهِرِ الْحَالِ فَاسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى تَضْعِيفِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجُوعُ وَيَشُدُّ الْحَجَرَ عَلَى بَطْنِهِ مِنَ الْجُوعِ قَالَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ يُطْعِمُ رَسُولَهُ وَيَسْقِيهِ إِذَا وَاصَلَ فَكَيْفَ يَتْرُكُهُ جَائِعًا حَتَّى يَحْتَاجَ إِلَى شَدِّ الْحَجَرِ عَلَى بَطْنِهِ ثُمَّ قَالَ وَمَاذَا يُغْنِي الْحَجَرُ مِنَ الْجُوعِ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ ذَلِكَ تَصْحِيفٌ مِمَّنْ رَوَاهُ وَإِنَّمَا هِيَ الْحُجَزُ بِالزَّايِ جَمْعُ حُجْزَةٍ وَقَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ مِنَ الرَّدِّ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ وَأَبْلَغُ مَا يُرَدُّ عَلَيْهِ بِهِ أَنه أخرج فِي صَحِيحه من حَدِيث بن عَبَّاسٍ قَالَ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْهَاجِرَةِ فَرَأَى أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ فَقَالَ مَا أَخْرَجَكُمَا قَالَا مَا أَخْرَجَنَا إِلَّا الْجُوعُ فَقَالَ وَأَنَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أَخْرَجَنِي إِلَّا الْجُوعُ الْحَدِيثَ فَهَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّ مَا تَمَسَّكَ بِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَمَا يُغْنِي الْحَجَرُ مِنَ الْجُوعِ فَجَوَابُهُ أَنَّهُ يُقِيمُ الصُّلْبَ لِأَنَّ الْبَطْنَ إِذَا خَلَا رُبَّمَا ضَعُفَ صَاحِبُهُ عَنِ الْقِيَامِ لِانْثِنَاءِ بَطْنِهِ عَلَيْهِ فَإِذَا رُبِطَ عَلَيْهِ الْحَجَرُ اشْتَدَّ وَقَوِيَ صَاحِبُهُ عَلَى الْقِيَامِ حَتَّى قَالَ بَعْضُ مَنْ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ كُنْتُ أَظُنُّ الرِّجْلَيْنِ يَحْمِلَانِ الْبَطْنَ فَإِذَا الْبَطْنُ يَحْمِلُ الرِّجْلَيْنِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي أَيْ يَشْغَلُنِي بِالتَّفَكُّرِ فِي عَظَمَتِهِ وَالتَّمَلِّي بِمُشَاهَدَتِهِ وَالتَّغَذِّي بِمَعَارِفِهِ وَقُرَّةِ الْعَيْنِ بِمَحَبَّتِهِ وَالِاسْتِغْرَاقِ فِي مُنَاجَاتِهِ وَالْإِقْبَالِ عَلَيْهِ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَإِلَى هَذَا جنح بن الْقَيِّمِ وَقَالَ قَدْ يَكُونُ هَذَا الْغِذَاءُ أَعْظَمَ مِنْ غِذَاءِ الْأَجْسَادِ وَمَنْ لَهُ أَدْنَى ذَوْقٍ وَتَجْرِبَةٍ يَعْلَمُ اسْتِغْنَاءَ الْجِسْمِ بِغِذَاءِ الْقَلْبِ وَالرُّوحِ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْغِذَاءِ الْجُسْمَانِيِّ وَلَا سِيَّمَا الْفَرِحَ الْمَسْرُورَ بِمَطْلُوبِهِ الَّذِي قَرَّتْ عَيْنُهُ بِمَحْبُوبِهِ قَوْله اكلفوا بِسُكُون الْكَاف وَضم اللَّام أَيِ احْمِلُوا الْمَشَقَّةَ فِي ذَلِكَ يُقَالُ كَلِفْتُ بِكَذَا إِذَا وَلِعْتَ بِهِ وَحَكَى عِيَاضٌ أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَهُ بِهَمْزَةِ قَطْعٍ وَكَسْرِ اللَّامِ قَالَ وَلَا يَصِحُّ لُغَةً قَوْلُهُ بِمَا تُطِيقُونَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بِمَا لَكُمْ بِهِ طَاقَةٌ وَكَذَا لِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ

(قَوْلُهُ بَابُ الْوِصَالِ إِلَى السَّحَرِ)
أَيْ جَوَازُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ قَوْلُ أَحْمَدَ وَطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَتَقَدَّمَ تَوْجِيهُهُ وَأَنَّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ مَنْ قَالَ إِنَّهُ لَيْسَ بِوِصَالٍ حَقِيقَةً

[1967] قَوْلُهُ حَدثنِي بن أَبِي حَازِمٍ هُوَ عَبْدُ الْعَزِيزِ وَشَيْخُهُ يَزِيدُ

الصفحة 208