كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 4)

فَقَالُوا لَيْسَ نُعِينُكَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ إِنَّا مُحْرِمُونَ وَفِي قَوْلِهِمْ إِنَّا مُحْرِمُونَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ عَلِمُوا أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ الْإِعَانَةُ عَلَى قَتْلِ الصَّيْدِ قَوْلُهُ فَتَنَاوَلْتُهُ زَادَ أَبُو عوَانَة بِشَيْءٍ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ إِشْكَالُ مَنْ قَالَ ذِكْرُ التَّنَاوُلِ بَعْدَ الْأَخْذِ تَكْرَارٌ أَوْ مَعْنَاهُ تَكَلَّفْتُ الْأَخْذَ فَأَخَذْتُهُ قَوْلُهُ مِنْ وَرَاءِ أَكَمَةٍ بِفَتَحَاتٍ هِيَ التَّلُّ مِنْ حَجَرٍ وَاحِدٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فِي الِاسْتِسْقَاءِ قَوْلُهُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ كُلُوا قَدْ تَقَدَّمَ مِنْ عِدَّةِ أَوْجُهٍ أَنَّهُمْ أَكَلُوا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ أَكَلُوا أَوَّلَ مَا أَتَاهُمْ بِهِ ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِمُ الشَّكُّ كَمَا فِي لَفْظِ عُثْمَانَ بْنِ مَوْهَبٍ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ فَأَكَلْنَا مِنْ لَحْمِهَا ثُمَّ قُلْنَا أَنَأْكُلُ مِنْ لَحْمِ صَيْدٍ وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ وَأَصْرَحُ مِنْ ذَلِكَ رِوَايَةُ أَبِي حَازِمٍ فِي الْهِبَةِ بِلَفْظِ ثُمَّ جِئْتُ بِهِ فَوَقَعُوا فِيهِ يَأْكُلُونَ ثُمَّ إِنَّهُمْ شَكُّوا فِي أَكْلِهِمْ إِيَّاهُ وَهُمْ حُرُمٌ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فَجَعَلُوا يَشْوُونَ مِنْهُ ثُمَّ قَالُوا رَسُولُ اللَّهِ بَيْنَ أَظْهُرِنَا وَكَانَ تَقَدَّمَهُمْ فَلَحِقُوهُ فَسَأَلُوهُ قَوْلُهُ وَهُوَ أَمَامَنَا بِفَتْحِ أَوَّلِهِ قَوْلُهُ فَقَالَ كُلُوهُ حَلَالٌ كَذَا وَقَعَ بِحَذْفِ الْمُبْتَدَأِ وَبَيَّنَ ذَلِكَ أَبُو عَوَانَةَ فَقَالَ كُلُوهُ فَهُوَ حَلَالٌ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَقَالَ هُوَ حَلَالٌ فَكُلُوهُ قَوْلُهُ قَالَ لَنَا عَمْرٌو أَيِ بن دِينَارٍ وَصَرَّحَ بِهِ أَبُو عَوَانَةَ فِي رِوَايَتِهِ وَالْقَائِلُ سُفْيَانُ وَالْغَرَضُ بِذَلِكَ تَأْكِيدُ ضَبْطِهِ لَهُ وسماعه لَهُ من صَالح وَهُوَ بن كيسَان وَقَوله هَا هُنَا يَعْنِي مَكَّةَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ صَالِحَ بْنَ كَيْسَانَ كَانَ مَدَنِيًّا فَقَدِمَ مَكَّةَ فَدَلَّ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَصْحَابَهُ عَلَيْهِ لِيَسْمَعُوا مِنْهُ وَقَرَأْتُ بِخَطِّ بَعْضِ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ مَا نَصُّهُ فِي قَوْلِ سُفْيَانَ قَالَ لَنَا عَمْرٌو إِلَخْ إِشْكَالٌ فَإِنَّ سُفْيَانَ رَوَى ذَلِكَ عَنْ صَالِحٍ فَكَيْفَ يَقُولُ لَهُ عَمْرٌو وَلِمَنْ مَعَهُ اذْهَبُوا إِلَى صَالِحٍ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ تَأْكِيدًا فِي تَجْدِيدِ سَمَاعِ سُفْيَانَ ذَلِكَ مِنْهُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ سُفْيَانَ حَدَّثَ بِذَلِكَ عَنْ صَالِحٍ فِي حَالِ حَيَاتِهِ انْتَهَى وَهُوَ احْتِمَالٌ بَعِيدٌ جِدًّا وَزَعَمَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ قَالَ لَهُمْ ذَلِكَ حِينَ قَدِمَ عَلَيْهِمُ الْكُوفَةَ قَالَ وَكَأَنَّهُ سَمِعَ سُفْيَانَ يُحَدِّثُ بِهِ عَنْ صَالِحٍ فَصَدَّقَهُ وَأَكَّدَهُ بِمَا قَالَ وَقَوْلُهُ اذْهَبُوا إِلَيْهِ أَيْ إِلَى صَالِحٍ بِالْمَدِينَةِ اهـ وَهَذَا أَبْعَدُ مِنَ الْأَوَّلِ وَمَا سَمِعَهُ سُفْيَانُ مِنْ صَالِحٍ إِلَّا بِمَكَّةَ وَلَمْ يَقْدَمْ عَمْرٌو الْكُوفَةَ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِسُفْيَانَ وَهُمَا بِمَكَّةَ وَمَا حَدَّثَ بِهِ سُفْيَانُ لِعَلِيٍّ إِلَّا بَعْدَ مَوْتِ صَالِحٍ وَعَمْرٍو بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ قَالَ لَنَا عَمْرٌو اذْهَبُوا إِلَخْ كَيْفِيَّةَ تَحَمُّلِهِ لَهُ مِنْ صَالِحٍ وَأَنَّهُ بِدَلَالَةِ عَمْرو وَالله أعلم

الصفحة 28