كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 4)

وَمِنْ رِوَايَةِ نَافِعٍ كِلَاهُمَا عَنْهُ ثُمَّ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ فِي ذَلِكَ وَفِي طَرِيقِ نَافِعٍ تَفْسِيرُ الْمُزَابَنَةِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا مِنَ الْمَرْفُوعِ وَمِثْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فِي الْبَابِ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ كَذَلِكَ وَيُؤَيِّدُ كَوْنَهُ مَرْفُوعًا رِوَايَةُ سَالِمٍ وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ فِيهَا لِذِكْرِ الْمُزَابَنَةِ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ التَّفْسِيرُ مِنْ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ فَهُمْ أَعْرَفُ بِتَفْسِيرِهِ مِنْ غَيرهم وَقَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ لَا مُخَالِفَ لَهُمْ فِي أَنَّ مِثْلَ هَذَا مُزَابَنَةٌ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا هَلْ يَلْتَحِقُ بِذَلِكَ كُلُّ مَا لَا يَجُوزُ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ كَيْلٌ بِجُزَافٍ وَلَا جُزَافٌ بِجُزَافٍ فَالْجُمْهُورُ عَلَى الْإِلْحَاقِ وَقِيلَ يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالنَّخْلِ وَالْكَرْمِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

[2183] قَوْلُهُ قَالَ سَالِمٌ هُوَ مَوْصُولٌ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ وَقَدْ أُفْرِدَ حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فِي آخِرِ الْبَابِ من طَرِيق نَافِع عَن بن عُمَرَ عَنْهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَبْلَ أَبْوَابٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ نَافِعٍ مَضْمُومًا فِي سِيَاقٍ وَاحِدٍ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاق عَن نَافِع عَن بن عُمَرَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَلَمْ يَفْصِلْ حَدِيث بن عُمَرَ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَشَارَ التِّرْمِذِيُّ إِلَى أَنَّهُ وَهَمَ فِيهِ وَالصَّوَابُ التَّفْصِيلُ وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَن الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ إِلَّا أَنَّهُ قَدْ أَذِنَ لِأَهْلِ الْعَرَايَا أَنْ يَبِيعُوهَا بِمِثْلِ خَرْصِهَا وَمُرَادُ التِّرْمِذِيِّ أَنَّ التَّصْرِيحَ بِالنَّهْيِ عَنِ الْمُزَابَنَةِ لَمْ يَرِدْ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَإِنَّمَا رَوَاهُ بن عمر بِغَيْر وَاسِطَة وروى بن عُمَرَ اسْتِثْنَاءَ الْعَرَايَا بِوَاسِطَةِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَإِن كَانَت رِوَايَة بن إِسْحَاق مَحْفُوظَة احْتمل أَن يكون بن عُمَرَ حَمَلَ الْحَدِيثَ كُلَّهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَكَانَ عِنْدَهُ بَعْضُهُ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ وَاسْتُدِلَّ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالْيَابِسِ مِنْهُ وَلَوْ تَسَاوَيَا فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالتَّسَاوِي إِنَّمَا يَصِحُّ حَالَةَ الْكَمَالِ وَالرُّطَبُ قَدْ يَنْقُصُ إِذَا جَفَّ عَنِ الْيَابِسِ نَقْصًا لَا يَتَقَدَّرُ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الِاكْتِفَاءُ بِالْمُسَاوَاةِ حَالَةَ الرُّطُوبَةِ وَخَالَفَهُ صَاحِبَاهُ فِي ذَلِكَ لِصِحَّةِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ وَأَصْرَحُ مِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ فَقَالَ أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا جَفَّ قَالُوا نَعَمْ قَالَ فَلَا إِذًا أَخْرَجَهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ وَصَححهُ التِّرْمِذِيّ وبن خُزَيْمَة وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ قَوْلُهُ رَخَّصَ بَعْدَ ذَلِكَ أَيْ بَعْدَ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ التَّمْرِ بِالثَّمَرِ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا وَهَذَا مِنْ أَصْرَحِ مَا وَرَدَ فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ حَمَلَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ النَّهْيَ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ عَلَى عُمُومِهِ وَمَنَعَ أَنْ يَكُونَ بَيْعُ الْعَرَايَا مُسْتَثْنًى مِنْهُ وَزَعَمَ أَنَّهُمَا حُكْمَانِ مُخْتَلِفَانِ وَرَدَا فِي سِيَاقٍ وَاحِدٍ وَكَذَلِكَ مَنْ زَعَمَ مِنْهُمْ كَمَا حَكَاهُ بن الْمُنْذِرِ عَنْهُمْ أَنَّ بَيْعَ الْعَرَايَا مَنْسُوخٌ بِالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ لِأَنَّ الْمَنْسُوخَ لَا يَكُونُ بَعْدَ النَّاسِخِ قَوْلُهُ بِالرُّطَبِ أَوْ بِالتَّمْرِ كَذَا عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ عُقَيْلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِلَفْظِ أَوْ وَهِيَ مُحْتَمِلَةٌ أَنْ تَكُونَ لِلتَّخْيِيرِ وَأَنْ تَكُونَ لِلشَّكِّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْزَاعِيِّ كِلَاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ بِلَفْظِ بِالرُّطَبِ وَبِالتَّمْرِ وَلَمْ يُرَخِّصْ فِي غَيْرِ ذَلِكَ هَكَذَا ذَكَرَهُ بِالْوَاوِ وَهَذَا يُؤَيِّدُ كَوْنَ أَوْ بِمَعْنَى التَّخْيِيرِ لَا الشَّكِّ بِخِلَافِ مَا جَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ أَيْضًا عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَلَيْسَ هُوَ اخْتِلَافا على الزُّهْرِيّ فَإِن بن وَهْبٍ رَوَاهُ عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ بالْإِسْنَادَيْنِ أَخْرَجَهُمَا النَّسَائِيُّ وَفَرَّقَهُمَا وَإِذَا ثَبَتَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ كَانَتْ فِيهَا حُجَّةٌ لِلْوَجْهِ الصَّائِرِ إِلَى جَوَازِ بيع الرطب المخروص على رُؤُوس النَّخْلِ بِالرُّطَبِ الْمَخْرُوصِ أَيْضًا عَلَى الْأَرْضِ وَهُوَ رأى بن خَيْرَانَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ وَهُوَ رَأْيُ الْإِصْطَخْرِيِّ وَصَحَّحَهُ جَمَاعَةٌ وَقِيلَ إِنْ كَانَا نَوْعًا وَاحِدًا لَمْ يَجُزْ إِذْ لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ وَأَن كَانَا نَوْعَيْنِ جَازَ وَهُوَ رَأْيُ أَبِي إِسْحَاقَ وَصَحَّحَهُ بن أبي عصرون وَهَذَا كُله فَمَا إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا عَلَى النَّخْلِ وَالْآخَرُ عَلَى الْأَرْضِ وَقِيلَ وَمِثْلُهُ

الصفحة 385