كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 4)
يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ فِي رِوَايَتِهِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ فِيهَا أَيْ فَيَجُوزُ بَيْعُ الرُّطَبِ فِيهَا بَعْدَ أَنْ يُخْرَصَ وَيُعْرَفَ قَدْرُهُ بِقَدْرِ ذَلِكَ مِنَ الثَّمَرِ كَمَا سَيَأْتِي الْبَحْث فِيهِ قَالَ بن الْمُنْذِرِ ادَّعَى الْكُوفِيُّونَ أَنَّ بَيْعَ الْعَرَايَا مَنْسُوخٌ بِنَهْيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ وَهَذَا مَرْدُودٌ لِأَنَّ الَّذِي رَوَى النَّهْيَ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ هُوَ الَّذِي رَوَى الرُّخْصَةَ فِي الْعَرَايَا فَأَثْبَتَ النَّهْيَ وَالرُّخْصَةَ مَعًا قُلْتُ وَرِوَايَةُ سَالِمٍ الْمَاضِيَةُ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرُّخْصَةَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا وَقَعَ بَعْدَ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الثَّمر بِالتَّمْرِ وَلَفظه عَن بن عُمَرَ مَرْفُوعًا وَلَا تَبِيعُوا الثَّمَرَ بِالتَّمْرِ قَالَ وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي بَيْعِ الْعَرِيَّةِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ لَفْظُ الرُّخْصَةِ فَإِنَّهَا تَكُونُ بَعْدَ مَنْعٍ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا اسْتِثْنَاءُ الْعَرَايَا بَعْدَ ذِكْرِ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِيضَاحَ ذَلِكَ
[2190] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ هُوَ الحجي بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْجِيمِ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ بَصْرِيٌّ مَشْهُورٌ قَوْلُهُ سَمِعْتُ مَالِكًا إِلَخْ فِيهِ إِطْلَاقُ السَّمَاعِ عَلَى مَا قُرِئَ عَلَى الشَّيْخِ فَأَقَرَّ بِهِ وَقَدِ اسْتَقَرَّ الِاصْطِلَاحُ عَلَى أَنَّ السَّمَاعَ مَخْصُوصٌ بِمَا حَدَّثَ بِهِ الشَّيْخُ لَفْظًا قَوْلُهُ وَسَأَلَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ هُوَ بِالتَّصْغِيرِ وَالرَّبِيعُ أَبُوهُ هُوَ حَاجِبُ الْمَنْصُورِ وَهُوَ وَالِدُ الْفَضْلِ وَزِيرُ الرَّشِيدِ قَوْلُهُ رَخَّصَ كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِالتَّشْدِيدِ وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ أَرْخَصَ قَوْلُهُ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا أَيْ فِي بَيْعِ ثَمَرِ الْعَرَايَا لِأَنَّ الْعَرِيَّةَ هِيَ النَّخْلَةُ وَالْعَرَايَا جَمْعُ عَرِيَّةٍ كَمَا تَقَدَّمَ فَحَذَفَ الْمُضَافَ وَأَقَامَ الْمُضَاف إِلَيْهِ مقَامه قَوْله فِي خَمْسَة أَو سُقْ أَو دون خَمْسَة أَو سُقْ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي بَيَّنَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَتِهِ أَنَّ الشَّكَّ فِيهِ مِنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ وَلِلْمُصَنِّفِ فِي آخِرِ الشُّرْبِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَن مَالك مثله وَذكر بن التِّينِ تَبَعًا لِغَيْرِهِ أَنَّ دَاوُدَ تَفَرَّدَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ وَمَا رَوَاهُ عَنْهُ إِلَّا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَالْوَسْقُ سِتُّونَ صَاعًا وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ وَقَدِ اعْتَبَرَ مَنْ قَالَ بِجَوَازِ بَيْعِ الْعَرَايَا بِمَفْهُومِ هَذَا الْعَدَدِ وَمَنَعُوا مَا زَادَ عَلَيْهِ وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الْخَمْسَةِ لِأَجْلِ الشَّكِّ الْمَذْكُورِ وَالْخِلَافُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالرَّاجِحُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ الْجَوَازُ فِي الْخَمْسَةِ فَمَا دُونَهَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ الْجَوَازُ فِيمَا دُونَ الْخَمْسَةِ وَلَا يَجُوزُ فِي الْخَمْسَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَابِلَةِ وَأَهْلِ الظَّاهِرِ فَمَأْخَذُ الْمَنْعِ أَنَّ الْأَصْلَ التَّحْرِيمُ وَبَيْعُ الْعَرَايَا رُخْصَةٌ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ بِمَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ الْجَوَازُ وَيُلْغَى مَا وَقَعَ فِيهِ الشَّكُّ وَسَبَبُ الْخِلَافِ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ بَيْعِ الْمُزَابَنَةِ هَلْ وَرَدَ مُتَقَدِّمًا ثُمَّ وَقَعَتِ الرُّخْصَةُ فِي الْعَرَايَا أَوِ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الْمُزَابَنَةِ وَقَعَ مَقْرُونًا بِالرُّخْصَةِ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَجُوزُ فِي الْخَمْسَةِ لِلشَّكِّ فِي رَفْعِ التَّحْرِيمِ وَعَلَى الثَّانِي يَجُوزُ لِلشَّكِّ فِي قَدْرِ التَّحْرِيمِ وَيُرَجِّحُ الْأَوَّلَ رِوَايَةُ سَالِمٍ الْمَذْكُورَةُ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ وَاحْتَجَّ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ بِأَنَّ لَفْظَةَ دُونَ صَالِحَةٌ لِجَمِيعِ مَا تَحْتَ الْخَمْسَةِ فَلَوْ عَمِلْنَا بِهَا لَلَزِمَ رَفْعُ هَذِهِ الرُّخْصَةِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْعَمَلَ بِهَا مُمْكِنٌ بِأَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَقَلِّ مَا تُصَدِّقُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُفْتَى بِهِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ حَدِيثَ الْبَابِ مِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ عَنْ مَالِكٍ بِلَفْظِ أَرْخَصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَلَمْ يَتَرَدَّدْ فِي ذَلِك وَزعم الْمَازرِيّ أَن بن الْمُنْذِرِ ذَهَبَ إِلَى تَحْدِيدِ ذَلِكَ بِأَرْبَعَةِ أَوْسُقٍ لِوُرُودِهِ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ فِيهِ فَتَعَيَّنَ طَرْحُ الرِّوَايَةِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا الشَّكُّ وَالْأَخْذُ بِالرِّوَايَةِ الْمُتَيَقَّنَةِ قَالَ وَأَلْزَمَ الْمُزَنِيُّ الشَّافِعِيَّ الْقَوْلَ بِهِ اه وَفِيمَا نَقَلَهُ نَظَرٌ أما بن الْمُنْذِرِ فَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِهِ مَا نَقَلَهُ عَنْهُ وَإِنَّمَا فِيهِ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ الصَّائِرِ إِلَى أَنَّ الْخَمْسَةَ لَا تَجُوزُ وَإِنَّمَا يَجُوزُ مَا دُونَهَا وَهُوَ الَّذِي أَلْزَمَ الْمُزَنِيُّ أَنْ يَقُولَ بِهِ الشَّافِعِيُّ كَمَا هُوَ بَيِّنٌ مِنْ كَلَامه وَقد حكى بن عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا الْقَوْلَ عَنْ قَوْمٍ قَالَ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ جَابِرٍ ثُمَّ قَالَ وَلَا خِلَافَ بَيْنِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَمَنِ اتَّبَعَهُمَا فِي جَوَازِ الْعَرَايَا فِي أَكْثَرِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْسُقٍ مِمَّا لَمْ يَبْلُغْ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُمْ حَدِيثُ جَابِرٍ قُلْتُ حَدِيثُ
الصفحة 388