كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 4)
وَهُوَ أَنْ يَبِيعَ السِّلْعَةَ مِنْ رَجُلٍ بِنَقْدٍ ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا مِنْهُ بِأَقَلَّ مِنَ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ لَمْ يَخُصَّ بِقَوْلِهِ ثُمَّ اشْتَرِ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا غَيْرَ الَّذِي بَاعَ لَهُ الْجَمْعُ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ مُطْلَقٌ وَالْمُطْلَقُ لَا يَشْمَلُ وَلَكِنْ يَشِيعُ فَإِذَا عُمِلَ بِهِ فِي صُورَةٍ سَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ فِيمَا عَدَاهَا وَلَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ عَلَى جَوَازِ الشِّرَاءِ مِمَّنْ بَاعَهُ تِلْكَ السِّلْعَةَ بِعَيْنِهَا وَقِيلَ إِنَّ وَجْهَ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ لِذَلِكَ مِنْ جِهَةِ تَرْكِ الِاسْتِفْصَالِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ لَمْ يَقُلْ بِسَدِّ الذَّرَائِعِ لِأَنَّ بَعْضَ صُوَرِ هَذَا الْبَيْعِ يُؤَدِّي إِلَى بَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ مُتَفَاضِلًا وَيكون الثّمن لَغوا قَالَ وَلَا حُجَّةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِأَنَّهُ لَمْ يَنُصَّ عَلَى جَوَازِ شِرَاءِ التَّمْرِ الثَّانِي مِمَّنْ بَاعَهُ التَّمْرَ الْأَوَّلَ وَلَا يَتَنَاوَلُهُ ظَاهِرُ السِّيَاقِ بِعُمُومِهِ بَلْ بِإِطْلَاقِهِ وَالْمُطْلَقُ يَحْتَمِلُ التَّقْيِيدَ إِجْمَالًا فَوَجَبَ الِاسْتِفْسَارُ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَتَقْيِيدُهُ بِأَدْنَى دَلِيلٍ كَافٍ وَقَدْ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى سَدِّ الذَّرَائِعِ فَلْتَكُنْ هَذِهِ الصُّورَةُ مَمْنُوعَةً وَاسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ عَلَى الْجَوَازِ بِمَا أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُور من طَرِيق بن سِيرِينَ أَنَّ عُمَرَ خَطَبَ فَقَالَ إِنَّ الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمِ سَوَاءٌ بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ فَقَالَ لَهُ بن عَوْفٍ فَنُعْطِي الْجَنِيبَ وَنَأْخُذُ غَيْرَهُ قَالَ لَا وَلَكِنِ ابْتَعْ بِهَذَا عَرْضًا فَإِذَا قَبَضْتَهُ وَكَانَ لَهُ فِيهِ نِيَّةٌ فَاهْضِمْ مَا شِئْتَ وَخُذْ أَيَّ نَقْدٍ شِئْتَ وَاسْتُدِلَّ أَيْضًا بِالِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ مَنْ بَاعَ السِّلْعَةَ الَّتِي اشْتَرَاهَا مِمَّنِ اشْتَرَاهَا مِنْهُ بَعْدَ مُدَّةٍ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ التَّعْجِيلِ فِي ذَلِكَ وَالتَّأْجِيلِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي ذَلِكَ وُجُودُ الشَّرْطِ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ وَعَدَمُهُ فَإِنْ تَشَارَطَا عَلَى ذَلِكَ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ فَهُوَ بَاطِلٌ أَوْ قَبْلَهُ ثُمَّ وَقَعَ الْعَقْدُ بِغَيْرِ شَرْطٍ فَهُوَ صَحِيحٌ وَلَا يَخْفَى الْوَرَعُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ وَلَا يَضُرُّ إِرَادَةُ الشِّرَاءِ إِذَا كَانَ بِغَيْرِ شَرْطٍ وَهُوَ كَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَزْنِيَ بِامْرَأَةٍ ثُمَّ عَدَلَ عَنْ ذَلِكَ فَخَطَبَهَا وَتَزَوَّجَهَا فَإِنَّهُ عَدَلَ عَنِ الْحَرَامِ إِلَى الْحَلَالِ بِكَلِمَةِ اللَّهِ الَّتِي أَبَاحَهَا وَكَذَلِكَ الْبَيْعُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ اخْتِيَارِ طَيِّبِ الطَّعَامِ وَجَوَازُ الْوَكَالَةِ فِي الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ وَفِيهِ أَنَّ الْبُيُوعَ الْفَاسِدَةَ تُرَدُّ وَفِيهِ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ قَالَ إِنَّ بَيْعَ الرِّبَا جَائِزٌ بِأَصْلِهِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ بَيْعٌ مَمْنُوعٌ بِوَصْفِهِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ رِبًا فَعَلَى هَذَا يَسْقُطُ الرِّبَا وَيَصِحُّ الْبَيْعُ قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ قَالَ وَوَجْهُ الرَّدِّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا رَدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الصَّفْقَةَ وَلَأَمَرَهُ بِرَدِّ الزِّيَادَةِ عَلَى الصَّاعِ
(قَوْلُهُ بَابُ مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ أَوْ أَرْضًا مَزْرُوعَةً أَوْ بِإِجَارَةٍ)
أَيْ أَخَذَ شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ بِإِجَارَةٍ وَالنَّخْلُ اسْمُ جِنْسٍ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وَالْجَمْعُ نَخِيلٌ وَقَوْلُهُ أُبِّرَتْ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ مُخَفَّفًا عَلَى الْمَشْهُورِ وَمُشَدَّدًا وَالرَّاءُ مَفْتُوحَةٌ يُقَالُ أَبَرْتُ النَّخْلَ آبُرُهُ أَبْرًا بِوَزْنِ أَكَلْتُ الشَّيْءَ آكُلُهُ أَكْلًا وَيُقَالُ أَبَّرْتُهُ بِالتَّشْدِيدِ أُؤَبِّرُهُ تَأْبِيرًا بِوَزْنِ
الصفحة 401