كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 4)

(قَوْلُهُ بَابُ دُخُولِ الْحَرَمِ وَمَكَّةَ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ)
هُوَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِمَكَّةَ هُنَا الْبَلَدُ فَيَكُونُ الْحَرَمُ أَعَمَّ قَوْله وَدخل بن عُمَرَ وَصَلَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ نَافِعٍ قَالَ أَقْبَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مِنْ مَكَّةَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِقُدَيْدٍ يَعْنِي بِضَمِّ الْقَافِ جَاءَهُ خَبَرٌ عَنِ الْفِتْنَةِ فَرَجَعَ فَدَخَلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ قَوْلُهُ وَإِنَّمَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْإِهْلَالِ لِمَنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ وَلَمْ يَذْكُرِ الْحَطَّابِينَ وَغَيْرَهُمْ هُوَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ خَصَّ الْإِحْرَامَ بِمِنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ وَاسْتُدِلَّ بِمَفْهُومِ

[1845] قَوْلِهِ فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَمَفْهُومُهُ أَنَّ الْمُتَرَدِّدَ إِلَى مَكَّةَ لِغَيْرِ قَصْدِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ لَا يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ عَدَمُ الْوُجُوبِ مُطْلَقًا وَفِي قَوْلٍ يَجِبُ مُطْلَقًا وَفِيمَنْ يَتَكَرَّرُ دُخُولُهُ خِلَافٌ مُرَتَّبٌ وَأَوْلَى بِعَدَمِ الْوُجُوبِ وَالْمَشْهُورُ عَنِ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ الْوُجُوبُ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ كل مِنْهُم لَا يجب وَهُوَ قَول بن عُمَرَ وَالزُّهْرِيِّ وَالْحَسَنِ وَأَهْلِ الظَّاهِرِ وَجَزَمَ الْحَنَابِلَةُ بِاسْتِثْنَاءِ ذَوِي الْحَاجَاتِ الْمُتَكَرِّرَةِ وَاسْتَثْنَى الْحَنَفِيَّةُ مَنْ كَانَ دَاخل الْمِيقَات وَزعم بن عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ أَكْثَرَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ عَلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ ثُمَّ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ حَدِيثَيْنِ أَحَدُهُمَا حَدِيث بن عَبَّاسٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الْمَوَاقِيتِ الثَّانِي حَدِيثُ أَنَسٍ فِي الْمِغْفَرِ وَقَدِ اشْتُهِرَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْهُ وَوَقَعَ لِي مِنْ رِوَايَةِ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ عَنْ أَنَسٍ فِي فَوَائِدِ أَبِي الْحَسَنِ الْفَرَّاءِ الْمَوْصِلِيِّ وَفِي الْإِسْنَادِ إِلَى يَزِيدَ مَعَ ضَعْفِهِ ضَعْفٌ وَقِيلَ إِنَّ مَالِكًا تَفَرَّدَ بِهِ عَن الزُّهْرِيّ وَمِمَّنْ جزم بذلك بن الصَّلَاحِ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ لَهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى الشَّاذِّ وَتَعَقَّبَهُ شَيْخنَا الْحَافِظُ أَبُو الْفَضْلِ الْعِرَاقِيّ بِأَنَّهُ ورد من طَرِيق بن أَخِي الزُّهْرِيِّ وَأَبِي أُوَيْسٍ وَمَعْمَرٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَقَالَ أَن رِوَايَة بن أَخِي الزُّهْرِيِّ عِنْدَ الْبَزَّارِ وَرِوَايَةَ أَبِي أُوَيْسٍ عِنْد بن سعد وبن عدي وَأَن رِوَايَة معمر ذكرهَا بن عَدِيٍّ وَأَنَّ رِوَايَةَ الْأَوْزَاعِيِّ ذَكَرَهَا الْمُزَنِيُّ وَلَمْ يَذْكُرْ شَيْخُنَا مَنْ أَخْرَجَ رِوَايَتَهُمَا وَقَدْ وَجَدْتُ رِوَايَة معمر فِي فَوَائِد بن الْمُقْرِئ وَرِوَايَةَ الْأَوْزَاعِيِّ فِي فَوَائِدِ تَمَّامٍ ثُمَّ نَقَلَ شَيخنَا عَن بن مسدى أَن بن الْعَرَبِيِّ قَالَ حِينَ قِيلَ لَهُ لَمْ يَرْوِهِ إِلَّا مَالِكٌ قَدْ رُوِّيتُهُ مِنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ طَرِيقًا غَيْرِ طَرِيقِ مَالِكٍ وَأَنَّهُ وَعَدَ بِإِخْرَاجِ ذَلِك وَلم يخرج شَيْئا وَأطَال بن مُسْدِيٍّ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ وَأَنْشَدَ فِيهَا شِعْرًا وحاصلها أَنهم اتهموا بن الْعَرَبِيِّ فِي ذَلِكَ وَنَسَبُوهُ إِلَى الْمُجَازَفَةِ ثُمَّ شرع بن مُسْدِيٍّ يَقْدَحُ فِي أَصْلِ الْقِصَّةِ وَلَمْ يُصِبْ فِي ذَلِكَ فَرَاوِي الْقِصَّةِ عَدْلٌ مُتْقِنٌ وَالَّذِينَ اتهموا

الصفحة 59