كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 4)

أَحَدٌ الْحَدِيثَ وَإِنَّمَا احْتَاجَ إِلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ حِينَئِذٍ مُحْرِمًا فَخَشِيَ الصَّحَابَةُ أَنْ يَرْمِيَهُ بَعْضُ سُفَهَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِشَيْءٍ يُؤْذِيهِ فَكَانُوا حَوْلَهُ يَسْتُرُونَ رَأْسَهُ وَيَحْفَظُونَهُ مِنْ ذَلِكَ وَفِيهِ جَوَازُ رَفْعِ أَخْبَارِ أَهْلِ الْفَسَادِ إِلَى وُلَاةِ الْأَمْرِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنَ الْغِيبَةِ الْمُحْرَّمَةِ وَلَا النميمة

(قَوْلُهُ بَابٌ إِذَا أَحْرَمَ جَاهِلًا وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ)
أَيْ هَلْ يَلْزَمُهُ فِدْيَةٌ أَوْ لَا وَإِنَّمَا لَمْ يَجْزِمْ بِالْحُكْمِ لِأَنَّ حَدِيثَ الْبَابِ لَا تَصْرِيحَ فِيهِ بِإِسْقَاطِ الْفِدْيَةِ وَمِنْ ثَمَّ اسْتَظْهَرَ الْمُصَنِّفُ لِلرَّاجِحِ بِقَوْلِ عَطَاءٍ رَاوِي الْحَدِيثِ كَأَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَتِ الْفِدْيَةُ وَاجِبَةً لَمَا خَفِيَتْ عَنْ عَطَاءٍ وَهُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ قَالَ بن بَطَّالٍ وَغَيْرُهُ وَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ لَبَيَّنَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ لَا يَجُوزُ وَفَرَّقَ مَالِكٌ فِيمَنْ تَطَيَّبَ أَوْ لَبِسَ نَاسِيًا بَيْنَ مَنْ بَادَرَ فَنَزَعَ وَغَسَلَ وَبَيْنَ مَنْ تَمَادَى وَالشَّافِعِيُّ أَشَدُّ مُوَافَقَةً لِلْحَدِيثِ لِأَنَّ السَّائِلَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ كَانَ غَيْرَ عَارِفٍ بِالْحُكْمِ وَقَدْ تَمَادَى وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يُؤْمَرْ بِالْفِدْيَةِ وَقَوْلُ مَالِكٍ فِيهِ احْتِيَاطٌ وَأَمَّا قَوْلُ الْكُوفِيّين والمزنى مُخَالف هَذَا الحَدِيث وَأجَاب بن الْمُنِيرِ فِي الْحَاشِيَةِ بِأَنَّ الْوَقْتَ الَّذِي أَحْرَمَ فِيهِ الرَّجُلُ فِي الْجُبَّةِ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ الْحُكْمِ وَلِهَذَا انْتَظَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَحْيَ قَالَ وَلَا خِلَافَ أَنَّ التَّكْلِيفَ لَا يَتَوَجَّهُ عَلَى الْمُكَلَّفِ قَبْلَ نُزُولِ الْحُكْمِ فَلِهَذَا لَمْ يُؤْمَرِ الرَّجُلُ بِفِدْيَةٍ عَمَّا مَضَى بِخِلَافِ مَنْ لَبِسَ الْآنَ جَاهِلًا فَإِنَّهُ جَهِلَ حُكْمًا اسْتَقَرَّ وَقَصَّرَ فِي عِلْمِ مَا كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَهُ لِكَوْنِهِ مُكَلَّفًا بِهِ وَقَدْ تَمَكَّنَ مِنْ تَعَلُّمِهِ قَوْلُهُ وَقَالَ عَطَاءٌ إِلَخْ ذكره بن الْمُنْذِرِ فِي الْأَوْسَطِ وَوَصَلَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَأَمَّا حَدِيثُ يَعْلَى فَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوفى فِي بَاب غسل الخلوف فِي أَوَائِلِ الْحَجِّ قَوْلُهُ فِي الْإِسْنَادِ صَفْوَانُ بْنُ يَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ قَالَ كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَهُوَ تَصْحِيفٌ وَالصَّوَابُ مَا ثَبَتَ فِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ صَفْوَانُ بْنُ يَعْلَى عَنْ أَبِيهِ فَتَصَحَّفَتْ عَنْ فَصَارَتِ بْنُ وَأَبِيهِ فَصَارَتْ أُمَيَّةَ أَوْ سَقَطَ مِنَ السَّنَدِ عَنْ أَبِيهِ وَلَيْسَتْ لِصَفْوَانَ صُحْبَةٌ وَلَا رِوَايَةٌ قَوْلُهُ وَعَضَّ رَجُلٌ يَدَ رَجُلٍ هَذَا حَدِيثٌ آخَرُ وَسَيَأْتِي مَبْسُوطًا مَعَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي أَبْوَابِ الدِّيَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى

الصفحة 63